دائماً ما يفسرون انقطاع الكهرباء الذى ضرب مصر فى الأيام الأخيرة بوجود مؤامرة. والمؤامرة فى عهد مرسى كانت من الدولة العميقة. حيث كان لانقطاعها، مع شح الوقود، أكبر الأثر فى نزول الناس إلى الشوارع وإسقاط مرسى. وكنا نصدق هذا الطرح لأن الكهرباء لم تكن تنقطع فى عهد مبارك. وبالفعل أكد رئيس الجمهورية بنفسه على الرجل الذى يعطونه عشرين جنيهاً فيفصل (السكينة).
وذهب مرسى، وجاء السيسى، وانتظر الناس ألا تُقطع الكهرباء، أو يكون الانقطاع- إذا حدث- فى أضيق الحدود. ولكن العكس هو ما حدث، لأن فترات انقطاع الكهرباء صارت أطول، وتحير الناس فى تفسير ذلك، خصوصاً مع مساعدات الأشقاء العرب السخية فى الوقود، ثم خرجت علينا الحكومة بتفسيرات معكوسة بنسبة ١٨٠ درجة، حيث أصبح الإخوان الآن هم الذين يفصلون (السكينة).
وفى رأيى أن كلا التفسيرين غير صحيح. والسبب الحقيقى هو أننا- للأسف- دولة فاشلة فقيرة محدودة الإمكانيات، وإن كان يجرح كبرياءنا القومى الاعتراف بذلك. والتبريرات التى كانت تفترض أن الدولة العميقة كانت تكيد لمرسى، وأن الإخوان يكيدون الآن للسيسى، هى تفسيرات تجامل الحكومة كثيراً لأنها تظهرها بموقف القادرة على الوفاء باحتياجات الناس الأساسية لولا (العكوسات)! مع أننا لو تذكرنا لون المياه القادم من الصنابير، وضعفها حين تصعد- كعجوز يلهث- إلى الأدوار العليا. أو تذكرنا حالة الطرق المصرية، حتى الطرق السريعة التى تربط بين المدن، والتى تستحق براءة اختراع مطبات بالطول كما هو حادث بعد كفر الزيات عند التوفيقية، أو تذكرنا تصادم القطارات واحتراق الناس أحياء وتأخرها بالعشر ساعات وأحياناً أكثر! أو تذكرنا فقر المستشفيات المدقع! والخطر الذى يتعرض له الإنسان لمجرد الذهاب هناك، وبؤس العناية الطبية، أو تذكرنا البطالة والغلاء والتزاحم حول محطات الوقود لما احتجنا إلى أى مؤامرات لتفسير انقطاع الكهرباء ولعرفنا أن السبب هو أننا دولة فاشلة.
لماذا تريدون أن يكون قطاع الكهرباء هو القطاع الوحيد المنضبط! أليس هو قطاعاً مصرياً؟ لماذا لا تتقبلون الحقيقة البسيطة، وهى أن ارتفاع درجات الحرارة مع زيادة الاستهلاك الآدمى مع شح الوقود واستخدام المازوت الذى يقصف عمر المولدات مع الإهمال المصرى المعتاد- كل ذلك كفيل بأن يؤدى إلى انقطاع الكهرباء المتكرر دون شبهة مؤامرة.
وإذا سألتنى: لماذا لم يحدث العكس وقت مبارك؟ هل كان ساحراً أم كان قديراً؟ أقول إنه لم يكن هذا ولا ذاك. ولكن أحوال مصر كانت (متصلبة) على حسب التعبير العامى. كانت هناك سياحة وتدفق مالى. ولو تعرضت مصر لأى ظروف استثنائية لانهار قطاع الكهرباء فى عهد مبارك مثلما انهار الآن.
نحن بكل أسف دولة فاشلة. وهذا الوضع البائس لا السيسى مسؤول عنه ولا مرسى، بل هو تراكمات العقود السابقة، ولأن أول العلاج هو التشخيص السليم. أما المكابرة فستزيد الأمر سوءاً، فالمهم أن نُوضع على بداية الطريق الصحيح مهما بدا الطريق بعيداً. والمهم أيضاً أن نراعى العدالة فى توزيع الأعباء، فلا تُقطع الكهرباء عن الريف عشرين ساعة وتقطع عن الأحياء الراقية ساعة واحدة، فلا شىء يقتل الانتماء للوطن مثلما يقتله التمييز.
ويبقى أخيراً أن ألبى دعوة قارئ طلب منى أن أنقل للمسؤولين استغاثة ميت غمر، حيث إنها مدينة صناعية وعمالتها كثيفة، والمصانع تغلق أبوابها، والناس اتخربت بيوتهم. ربنا يلطف بنا جميعاً.