أكدت مصادر مقربة من النائب العام, وكانت قريبة من مشهد الأحداث, أن اتصالا تليفونيا قد حدث بين المستشار عبدالمجيد محمود وأحد المقربين له من المستشارين, فنصح النائب العام بأن يصمم علي موقفه ولا يقبل المنصب الدبلوماسي إنقاذا لسمعة القضاء .
وعدم تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية وأن مؤسسة الرئاسة لا تستطيع أن تجبره علي الإقالة, خاصة أن قانون السلطة القضائية في صفه, وأن النائب العام يطبق القانون ولا يوجد ثأر بين النائب العام أو النيابة العامة وبين الإخوان المسلمين.
وقال عبدالمجيد محمود للمصدر القضائي الذي استشاره في الأزمة, إنه لا يعمل لدي أحد, ويطبق القانون علي الجميع, وإنه أخبر المستشار أحمد مكي وزير العدل بأنه إذا أراد الرئيس أن يقيل النائب العام فعليه تعديل قانون السلطة القضائية, ومن حق الرئيس أن يرتب بيته كما يريد.
وأشار إلي أنه خلال المفاوضات تم تهديده بأنه سيهاجمه, وذكر النائب العام للمستشار أحمد مكي في المكالمة التليفونية التي دارت بينهما بأن ترك منصب النائب العام له إجراءات قانونية ودستورية منصوص عليها وليس من بينها المشاورات والتفاهم والموافقات الشفوية, وهناك فرق بين عزل النائب العام وتوزيع الغنائم, وأنا مش داخل في الغنائم لأنهم يعتقدون أنني تبع النظام القديم, وأنه من رجال حسني مبارك, وأنه تناسي تماما أنه محامي الشعب ولا يوجد منصب أعلي من منصب النائب العام, لافتا إلي أنه لن يقبل أي وظيفة أخري أو منصب آخر بعد أن عمل نائبا عاما.
وأضاف النائب العام موجها كلامه للإخوان المسلمين: إنه لن يترك منصبه إلا بالموت أو الاغتيال, وأنه لا يعمل لدي أحد ويطبق القانون علي الجميع.
والسر الآخر من الأسرار التي كانت وراء الأزمة أن أدلة جديدة تقدم بها أحد المحامين تدين المستشار محمود السبروت, لأنه تعمد إخفاء الحقائق في قضية موقعة الجمل, وفي تعليق علي هذه الأزمة, قال المستشار أحمد مدحت المراغي, الرئيس السابق لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلي وقريب من مشهد الأحداث: حرصت دساتير مصر المختلفة شأنها في ذلك شأن جميع دساتير العالم الحديث علي إضفاء الحصانة القضائية علي القضاة, وأنه لا يجوز عزلهم أو فصلهم إلا للأسباب المبينة في قانون السلطة القضائية, وعلي النحو الوارد في قواعد عدم الصلاحية والتأديب.
وأشار المراغي إلي أن المادة(168) من دستور عام1971 تنص علي أن القضاة غير قابلين للعزل وينظم القانون مساءلتهم تأديبيا وليس المقصود من ذلك إسباغ ميزة لهم, وإنما الهدف تحقيق المصلحة العامة التي تستوجب أن يتحلي رجل القضاء في أحكامه وقراراته العدالة المطلقة والشجاعة الكاملة ولا يخشي أحدا ولا يخاف من فصل أو عزل.
وأوضح المراغي أنه بذلك تكون جميع تصرفاته مطابقة للحق والعدل ولا يتسرب إليها أي خوف أو اعتبارات خارجية, وفي تعديل قانون السلطة القضائية عام1984 امتدت هذه الحصانة إلي منصب النائب العام, فأصبح متمتعا بالحصانة الكاملة ولا يجوز عزله أو تعيينه في وظيفة أخري خارج القضاء إلا بناء علي طلبه وموافقته.
وأضاف المراغي: أقول للتاريخ إن المستشار عبدالمجيد محمود من أكفأ النواب العموميين ويؤدي رسالته بجدية واقتدار, وأنه لم يحد عن المصلحة العامة, وينأي بنفسه عن أي تقولات أو شبهات. وينوه المراغي في هذا الصدد إلي أنه وجه الاتهام إلي وزير الزراعة الأسبق أمين أباظة, بأنه مكن البعض من الاستيلاء علي أراضي الدولة, ونظرا لأنه يمت بصلة قرابة لزوجته, نحي النيابة العامة عن التحقيق وطلب ندب مستشار للتحقيق في الواقعة ثم فعل ذلك عند اتهام حسن حمدي وإبراهيم نافع بتهمة التربح والاستيلاء علي المال العام. نظرا لعلاقته السابقة بهما عندما كان عضوا بمجلس إدارة النادي الأهلي, قرر ندب مستشار التحقيق, وهذا يدل علي تجرد الرجل وبعده عن الغرض والهوي, وعند سقوط النظام السابق, ثار خلاف قانوني بشأن محاكمة الرئيس السابق مبارك, لأن المادة(85) من دستور1971 كانت تنص علي أن تكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب, وكان مثار الجدل أن الرئيس السابق ارتكب ما نسب إليه في أثناء تأديته لعمله وقبل تنحيه, كما أنه ثابت أن نائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان أعلن في مؤتمر صحفي أن الجيش لا يقبل اتخاذ أي إجراءات ضد الرئيس السابق باعتباره أحد أبطال حرب أكتوبر, وقام بأعمال مجيدة لا تنسي, وبرغم ذلك لم يتردد النائب العام في اتخاذ الإجراءات القانونية وأمر بحبس الرئيس السابق احتياطيا وقدمه لمحكمة الجنايات, حيث صدر ضده الحكم بالسجن المشدد المؤبد.
وأضاف المراغي أنه طوال فترة عمل النائب العام لم يجرؤ أحد أن يمس طهارته أو نزاهته وظل مقيما في شقته التي شغلها منذ التحاقه بالنيابة العامة ولم يحصل من الدولة علي مسكن ولم تخصص له شبرا من الأراضي, سواء من المدن الجديدة أو الساحل الشمالي, وقد كان موقفه الأخير وعدم خضوعه للتهديد والوعيد وتمسكه باستقلاله القضائي وتمتعه بالحصانة التي لا تسمح بالعزل أو الإقالة محل تقدير وإعجاب رجال القضاء والمنصفين من أبناء الشعب المصري الحريصين علي استقلال القضاء ونزاهته.
وأضاف المراغي أن المستشار عبدالمجيد محمود قد يري في المستقبل أن يترك منصبه وأن يعود إلي القضاء كرئيس لمحكمة الاستئناف وفقا لقانون السلطة القضائية, وذلك بمحض إرادته واختياره وبغير تهديد أو وعيد واعتلائه المنصة القضائية العالية الشامخة لا يقل عن منصب النائب العام, وسوف يسجل له التاريخ أنه تمسك بحصانة منصب النائب العام واستقلال القضاء, وأنه بإرادته الحرة يترفع عن ذلك المنصب ويسمو بنفسه ويعود إلي كرسي القضاء الذي لا يعلوه إطلاقا أي وظيفة مهما ارتفعت.
من جانب آخر, تردد أنه حدث انقسام بين القضاة بسبب تقديم التماس المجلس الأعلي للقضاة لرئيس الجمهورية بشأن الإبقاء علي النائب العام, إذ يري البعض أن في ذلك إقرارا بحق رئيس الجمهورية في إقالة النائب العام, بينما يرفض المجلس الأعلي للقضاء وآخرون ذلك التبرير باعتبار أن ما تقدم المجلس به ليس التماسا وإنما مذكرة شارحة.
وفي تعليقه علي الأزمة, قال المستشار أحمد الخطيب, رئيس محكمة باستئناف القاهرة, إن هذه الأزمة تم تسييسها واستخدامها لأغراض حزبية ومصالح خاصة, وكان يتعين عدم الزج بمؤسسة القضاء في آتون تلك المعارك السياسية ونرفض فكرة إقامة جمعية عمومية للاحتفال ببقاء النائب العام في منصبه كما روج لها البعض لأن القضاء ليس في صراع مع مؤسسة الرئاسة, فكلا الطرفين هدفهم واحد وهو مصلحة مصر.
وأضاف الخطيب أن سبب هذه المشكلة هو موافقة النائب العام الشفهية والتي ترددت علي ألسنة البعض ثم عدوله بعد ذلك عنها, وهو أمر بعيد عن مؤسسة الرئاسة.