العديد ممن يدَّعون الحكمة يخرجون علينا بين وقت وآخر ليؤكدوا لنا أن من يتحمل الحالة الإرهابية المفروضة على المجتمع هى السلطة التى ترفض أن تحتوى المارقين والخارجين، وأيضاً يخرج علينا الباحثون عن الانتصارات الصغيرة وحرب الأصوات ليكرروا نفس المعنى، ويؤكدوا عجز الدولة عن فهم بعض أبنائها المارقين، وهؤلاء بهذا الطرح يداعبون أصواتاً انتخابية أو يسددون ثمناً التزموا بسداده لمن يدفع لهم. أمس أجاب الإرهابيون على من يدَّعون الحكمة بتفجيرات جامعة القاهرة، وهو فعل متكرر ليس الأول، وينبغى أن نتوقع أنه لن يكون الأخير، كما سبق أن ذكرت، وأكثر من مرة بينت أن مبدأ هؤلاء واضح ومباشر: «إما أن نحكمكم أو نقتلكم»، هذا المبدأ الذى أثبتوا أنهم ملتزمون به بلا حدود، وهو المبدأ الذى أستغرب تلك الحالة من العمى الاختيارى الذى يصيب بعض مدَّعى تمثيل الشعب، وبعض محتلى مواقع النخبة. منذ بيان الثالث من يوليو الماضى والموقف لم يتغير، فقد شدد البيان وقتها على مفهوم الاحتواء ومفهوم الشعب الواحد ولكن بشرط بسيط هو احترام الإرادة الشعبية واحترام القانون، وهما الأمران اللذان لم يجدا استجابة أو أذناً صاغية من تلك الجماعة وأتباعها الذين قرروا ليس فقط مخاصمة الشعب ولكن عقابه على الموقف الذى أطاح بالجماعة. ما أتوقعه الآن من أولئك الذين يمتهنون السياسة أن يبدأوا فى ممارستها بمفهوم وطنى لا مفهوم وظيفى أو نفعى، أن يعودوا ليقيّموا مع من يحاولون أن يتحالفوا، وأن تحقيقهم مكاسب وأصوات انتخابية ملوثٌ بدماء هذا الشعب، على هؤلاء أن يتوحدوا من أجل القضاء على هذا الإرهاب الذى يخاصم الدين ويعادى الشعب. أتوقع من الجميع أن يعلنوا موقفاً واضحاً تجاه هذه الجماعة وأتباعها وتجاه هذه الأعمال الإرهابية، والتوقف عن محاولة إلقاء اللوم على إدارة البلاد أو أمنها.
عندما أشاهد انفجار قنبلة أمام باب الجامعة الرئيسى، والطلاب يجرون مذعورين، وعندما أشاهد سقوط شهداء آخرين من رجال الشرطة الذين وصل عددهم إلى 400 شهيد حتى الآن أو الجيش أو المواطنين الأبرياء، فإننى لا أملك إلا غضباً- أظن يشاركنى فيه الكثيرون- تجاه كل هؤلاء الذين قرروا الرقص على السلالم فى وقت ليس هو وقت الرقص، ولا وقت حصاد المصالح الضيقة الصغيرة أمام خطر كبير يواجهه الوطن. الأمل أن تكون هذه السلسلة من الأعمال الإرهابية بمثابة رسالة واضحة إلى العالم الذى قرر أن يعيش هو الآخر حالة من حالات العمى الاختيارى، ويتحدث عن حقوق إنسان لا يرى فيها إلا من تحالف معهم فى يوم من الأيام وأسقطهم الشعب، هناك دور مهم فى هذه المرحلة على كل من يستطيع أن ينقل الصورة الحقيقية لهذه الجماعات الإرهابية، لم يعد مطلوباً جهد كبير لإثبات إجرام هذه الجماعات وإرهابها، ولكن المطلوب أن تعمل كل المؤسسات والأفراد والجماعات من أجل نقل الصورة الحقيقية لما يحدث داخل مصر على يد هذه الجماعات، لعلهم يفيقون ويعلمون أنهم إن لم يتخذوا موقفاً واضحاً وحاسماً فإن دورهم قادم.
رحم الله شهداء الوطن، وأنار بصيرة من يدَّعون الحكمة فى غير موضعها.