قرر وزير الأوقاف المصرى، أمس الأول، استبعاد دولتى تركيا وقطر من المشاركة فى المسابقة العالمية للقرآن المقرر أن تستضيفها القاهرة الشهر المقبل، وقال إنه «تم استبعاد دعوة تركيا وقطر من المشاركة فى المسابقة، نظرًا لموقفهما السياسى من مصر»، متمنيًا أن تعود الدولتان إلى المحيط العربى والإسلامى، مشيرًا إلى أن مصر تلقت حتى اليوم موافقة نحو أربعين دولة على المشاركة فى المسابقة التى يسهم فيها علماء وقرّاء ومُحكّمون من داخل مصر وخارجها.
والحقيقة فقد صدمنى هذا القرار، لأنه على عكس ما يبدو من قوة شكلية أو مظهرية، فإنه عبر عن ضعف شديد فى الموقف المصرى، وتذكرت فورا مئات الطلاب المصريين الذين أعطتهم الحكومة التركية منحاً للدراسة فى جامعاتها ومازالوا هناك، وكثير منهم ليسوا مع الإخوان ومن أشد معارضيهم، وبالتالى هم معارضون أيضا لسياسة أردوجان، ومع ذلك لم تطردهم تركيا ولم تصغر نفسها بقرارات من هذا النوع، لأنها تعرف أن وجود هؤلاء الطلاب فى تركيا هو دليل قوة تركيا وثقتها بنفسها وليس العكس، وأن طلاباً مصريين معارضين لسياستها لن يهددوا نظامها.
أما قطر التى هى مجرد كيان ينفذ الإملاءات الأمريكية واشترى دورا إقليما تخريبيا فى المنطقة، فهناك آلاف المصريين مازالوا يعملون هناك وقناة الجزيرة تدعو، ولو على سبيل استكمال الديكور، بعض المصريين المؤيدين للمشير السيسى ولخريطة الطريق ولم تمنعهم.
نحن مازلنا نفعل عكس ما تفعله دول العالم، بما فيها الدويلات، فدعوة مواطنين قطريين أو أتراك لبلد الأزهر للمشاركة فى مسابقة لتحفيظ القرآن هو أمر لصالح مصر، ومنعهم هو عقاب لمصر وليس لدولهم، لأننا حتى هذه اللحظة لا نتصور أن لدينا قدرة على التأثير فى العالم فنفضل الانسحاب والعزلة والانغلاق.
من قال لنا إن المشاركين من تركيا وقطر هم متحدثون رسميون باسم أردوجان أو تميم، فعلى الأرجح هم مسلمون عاديون جاءوا للمشاركة فى مسابقة قرآن كريم بالقاهرة، وبالتالى يتوقع أن يكونوا محبين لمصر أو على الأقل يفصلون بين أى خلافات سياسية بين الحكومات، وبين التفاعلات الطبيعية بين الشعوب.
لا أفهم سببا منطقيا يبرر مثل هذا التصرف ولا أعرف السبب النفسى وراء استمرار غياب الثقة فى النفس والشعور الدائم بالتهديد، والتعامل على أننا أمة مفعول بها طول الوقت، والكل يتآمر عليها ويستهدفها من إيران إلى تركيا ومن قطر حتى الولايات المتحدة.
ذكرنى قرار وزير الأوقاف الخاطئ بما جرى أثناء زيارة الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى، فقد خرجت ردود فعل على تلك الزيارة تصب فى خانة الخوف من الآخر وتحديدا التشيع، بل وشجع البعض محاولات الاعتداء على الرئيس الإيرانى مرة داخل بيت من بيوت الله، والثانية فى حفل استقبال السفارة الإيرانية.
خوفنا من العالم الخارجى يعكس عدم ثقة فى النفس وتصور البعض أن منع أتراك وقطريين من مشاركة فى مسابقة قرآن كريم فى القاهرة هو عقاب لهم وليس لنا ولدورنا ولثقتنا فى أنفسنا.
أتمنى أن يكون هناك من يعى أهمية تصحيح مثل تلك الأخطاء.