نشأنا صغاراً على دعاء يردده الشيوخ – بكثرة - على المنابر عقب كل صلاة جمعة وبعد الركوع فى صلاة الفجر.. الدعاء دائما يكون على أعداء الإسلام ويقول (اللهم اجعل كيدهم فى نحرهم واشغلهم بأنفسهم عن المسلمين). من فضل الله على أى قوم أن ينشغل أعداؤهم بمشاكلهم ولقد فطن الصهاينة إلى هذه النعمة منذ فترة طويلة وعلِموا – بدهائهم الشهير - أن أعداءهم (المسلمين والعرب) إذا لم ينشغلوا بأنفسهم فسيتفرغون لهم ولإيذائهم ولن يقووا على مجابهتهم ، واهتموا كل الاهتمام بشغلنا فى أنفسنا وبدبّ الفرقة والخلاف والنزاع بين القوى المسلمة وزرع الفتن بين الأقطاب العربية الكبيرة لتكثر النزاعات ويظهر تيار قوى من التناحر العربى العربى.. هذا التيار سيستنزف قوى العرب وسيُذهِب ريحهم بعيدا عن العدو الأصلى وهو (الكيان الصهيونى).
وترّصد لنا العدو الإسرائيلى لأكثر من ستين عاما.. كلّما وجد نقطة ضعف فى أى دولة عربية - خاصة الدول الكبيرة – درسوها وعملوا على نموها وزيادتها وجعلوا منها شبحاً مخيفاً يسيطر على معنويات العرب أنفسهم.. وأظهروها فى كل وسائل الإعلام العالمى ليشوّهوا صورة العرب أمام العالم الخارجى. على سبيل المثال.. ثورة 23 يوليو 1952 كانت نقلة فى حياة الشعب المصرى والشعوب العربية كلها وكانت لها من المميزات ما جعل الشعب المصرى كله يلتف حولها ويساندها وجعل الشعوب العربية كلها تتغنى بها وتسير على نهجها.. ولكنها كانت – مثل أى شىء – لها وجهان.. الوجه القوى والوجه الضعيف وهنا ظهر الكيان الصهيونى وركز على السلبيات وعمل بكل جهده لتشويه صورة الثورة ورموزها فى العالم الغربى ونجح فى إقناع الغرب بإرسال طائراته الحربية إلى مصر وكان العدوان الثلاثى سنة 1956 هو الجائزة التى حصل عليها الكيان الصهيونى. نجحت إسرائيل فى إقناع الدول العظمى فى العالم – آنذاك - لقصف البنية التحتية لمصر بالكامل وأعادت المجتمع المصرى قرابة الخمسين سنة للخلف ولولا قوة وصرامة القيادات وقتها والتفاف الشعب المصرى حول جيشه وحول شخص (جمال عبدالناصر) لما نجحت مصر فى مرور المرحلة رغم أنه كان مروراً وهِنا ضعيفاً لم يسمح للشعب المصرى بالانطلاق نحو أفاق مستقبلية حقيقية. أردتُ من هذا المثال شرح نظرية المؤامرة التى يحاول البعض أن ينكرها. إن وضع رؤوسنا فى الرمال وادّعاء عدم وجود مؤامرات تحيط بنا هو الغباء بعينه. نعم هناك مؤامرة وهناك رصد كامل لكل أحوال مصر وكل التغيرات التى تحدث فيها وهناك تربُّص دائم لكل نقاط الضعف فى مصر من قبل الكيان الصهيونى وهناك محاولات دائمة ومستمرة للحفاظ على الوهن والضعف المصرى والعربى وهناك دائما من يغذى الخلافات العربية العربية لتستنفذ هذه الخلافاتُ المجهودَ المصرى والعربى بدلاً من توجيهه لمقاومة الاستعمار اليهودى للأراضى الفلسطينية.
إن البقاء الصهيونى مرتبط ارتباطاً وثيقاً باستمرار الخلاف العربى العربى ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بالضعف العربى والفقر العربى والتخلف العربى. إن من ينكر ضلوع الكيان الصهيونى فى قضية سد النهضة الإثيوبى ضلوعاً مباشراً فهو جاهل أو مدع للجهل وإن من يعتقد أن جهاز (الموساد) الإسرائيلى قد فوّت على نفسه ثورة يناير ولم يستغل نقاط الضعف فى الثورة فهو جاهل أيضا. نعم يا سادة هناك مؤامرة وهناك جهات كثيرة تنتظر أى نقطة ضعف يمر بها الشعب المصرى لتقوم باستغلالها فى زيادة ضعف مصر وتشتيت جهودها.. وأول هذه الجهات هى (الموساد) الذين يعلمون جيداً أن قوة مصر لا تعنى شيئاً إلا إبادتهم من على البسيطة. إن من يعتبر البدء فى بناء سد النهضة الإثيوبى تزامن مع ثورة 25 يناير مصادفةً هو إنسان جاهل وإن من يعتبر الممارسات التى تمارسها قوات الاحتلال الصهيونى هذه الأيام فى المسجد الأقصى مصادفة هو إنسان جاهل.. نعم هناك مؤامرة وهناك جهاز مخابرات قوى اسمه (الموساد) يتربص لكل أزمات مصر ويستغلها كل الاستغلال وأى إنسان يحاول أن يسوِّق لأى فكر آخر عليه أن يعلم أنه – عمداً أو عن غير عمد – يساعد الكيان الصهيونى على تحقيق أهدافه.