جماعة الإخوان المسلمين هى جماعة دعوية سياسية يتبنى فكرها نهج أهل السنة والجماعة فى معظم سنوات عمرها الطويل الذى بدأ فى نهاية الثلاثينيات، ومازال مستمرًا حتى اليوم، أما تنظيم القاعدة فهو تنظيم عسكرى فى المقام الأول يريد تطبيق فريضة الجهاد بطريقته الخاصة التى تخالف شروط تطبيق الفريضة، وتصطدم مع موانعه، مثل قتل المدنيين، وقتل السياح المستأمنين بتفجير المنشآت والحافلات، ونحو ذلك، وهو يتبع نظرية «الجهاد للجهاد»، و«الجهاد غاية وليس وسيلة»، فى حين أن الجهاد وسيلة وليست غاية، فإذا تنازعت مع الغاية قدمت الغاية.
وتعد جماعة الإخوان المسلمين فى أصلها وأساسها جماعة علنية، يكاد يعرف معظم أفرادها وقادتها ونشاطاتها إلا النذر اليسير الذى ينخرط تحت نطاق السرية فى بعض عصورها وأزمانها.
أما القاعدة بفروعها المختلفة فهى تنظيم سرى عسكرى فى الأساس، لا تعرف فى أى بلد المنضمين تحت لوائه، ولا كيفية انضمامهم، ولا تعرف شيئًا عن عدده أو قادته فى أى بلد، فهو تنظيم لا يعرف العلنية فى الأصل، ولا يؤمن بها، ويعتمد على الخلايا العنقودية فى معظم أماكنه خشية القبض عليهم أو ملاحقتهم، وقد لا يعرف الأتباع فى كل مجموعة اسم قائدهم، وقد لا تعرف كل مجموعة المجموعات الأخرى.
أما الإخوان المسلمون فلهم تنظيم ممتد فى كل القرى والنجوع، ولهم قيادة عامة معروفة يلتزم بأوامرها جميع الأفراد، ولهم شكل هرمى فى التنظيم.
واللبنة الأساسية فى الإخوان هى الأسرة الإخوانية التى تتكون عادة من 5 أفراد يجتمعون فى بيت أحدهم، أو فى مكان عمله، أو فى المسجد إذا كانت الظروف الأمنية جيدة.. ويتدرج الشكل الهرمى من الأسر المختلفة لتكوين شُعبة القرية إلى المكتب الإدارى للمدنية، ثم المحافظة، ثم مجلس شورى الجماعة، وعلى رأس الهرم التنظيمى يكون مكتب الإرشاد الذى يتكون عادة من 16 قياديًا.. وتكاد تكون كل هذه القيادات معروفة لكل المهتمين بالشأن السياسى أو الإسلامى، إذ أنهم يخرجون عادة من سلك الدعوة فى الجامعات والمدارس والنقابات، ثم يرتقون فى السلك التنظيمى للإخوان، وهم يتفاهمون عادة مع الدولة والحكومة، كل بحسب مستواه لبحث وحل كل المشكلات التى قد تتعلق بالطرفين، ولا ينقطع هذا الحوار والتفاهم حتى فى أوقات الشدة والمحنة والحرب الإعلامية أو حتى المفتوحة بينهم وبين الحكومات المتعاقبة.
والإخوان المسلمون يؤمنون بالوصول إلى السلطة عبر تكوين حزب أو عدة أحزاب سياسية كما يؤمنون بالديمقراطية، على الأقل فى كل إصداراتهم وإعلاناتهم، ولا يكفرون أو يفسقون أو يبدعون من يؤمن بالتعددية السياسية أو الأحزاب السياسية أو الديمقراطية كوسيلة للتداول السلمى للسلطة.
ولا يرون بأسًا من التحالف مع الأحزاب الليبرالية، فقد تحالفوا مع حزب الوفد فى الانتخابات البرلمانية المصرية فى الثمانينيات، أو الأحزاب الاشتراكية، فقد تحالفوا مع حزب العمل الاشتراكى فى أواخر الثمانينيات، كما تحالفوا مع حزب الكرامة فى الانتخابات البرلمانية التى أعقبت ثورة 25 يناير 1911، وكل هذه التحالفات رأى الإخوان أنها فى صالحهم فأقدموا عليها.
وهذه التحالفات السياسية لا ينكرها الإسلام ولا يمنعها فى الأصل، فهى من مسائل السياسة الشرعية التى تتغير من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، وضابطها فى الشريعة هو المصلحة للإسلام والأوطان.
وقد تحالف النبى صلى الله عليه وسلم مع قبائل كثيرة لم تكن مسلمة- فكيف بالمسلمة؟- لكنها على غير فكره ورأيه السياسى، وعقد النبى صلى الله عليه وسلم ما يشبه معاهدة الدفاع المشترك بينه وبين يهود المدينة للدفاع عن المدينة.
لكن «القاعدة» ترى التحالف مع أى حزب ليبرالى أو اشتراكى أو علمانى أو مسيحى هو كفر بواح، مخرج عن الملة، ويدرجونه تحت باب الموالاة المكفرة كفرًا أكبر، كما يرون أن الجلوس على مائدة المفاوضات أو الحوار مع الحكومة أو الأحزاب الليبرالية هو كفر بواح أيضًا.
والإخوان فى الأصل الأساسى لا يكفرون الجيش والشرطة ولا الأجهزة الأمنية، ولا يكفرون المسلم بالظلم أو المعصية، ولا يكفرون الصوفية أو الأشاعرة، وحينما تسربت أفكار التكفير إلى قواعدهم فى السجن الحربى فى الستينيات قاومها شيوخهم بقوة وإخلاص، وعلى رأس هؤلاء الشيوخ الهضيبى الأب والابن، وعمر التلمسانى، ومحمد الغزالى، وغيرهم ممن لا يتسع ذكرهم، وظل هؤلاء يكرهون فكرة التكفير حتى ماتوا وقاموا بدور كبير فى مواجهة هذه الفكرة مع أجيال جديدة من دعاة الإخوان مثل د. ثناء ود. محيى الظايط وغيرهما، ولعل أهم كتاب سجل هذه التجربة الثرية فى الستينيات هو كتاب «دعاة لا قضاة» للشيخ الهضيبى الأب.
أما «القاعدة»، فمنذ بداية نشأتها حتى اليوم تكفّر كل الجيوش العربية، وكذلك أجهزة الشرطة والأجهزة الأمنية كلها، فضلًا على الصوفية والأشاعرة وكل الأحزاب المدنية، فضلًا على تكفير كل الحكام العرب بلا استثناء، حتى أن بعضهم كان يكفر د. مرسى نفسه، فى الوقت الذى كان الإخوان لا يكفرون الحكام على الإطلاق، وحاربوا تكفيرهم فى الستينيات والسبعينيات.
ونخلص من هذا كله إلى أن الإخوان تختلف كليًا وجذريًا عن القاعدة.
فما الذى أدى إلى التقارب، بل التحالف بينهما بعد ثورة 25 يناير حتى الآن؟
لقد كتب د. أيمن الظواهرى أقذع السباب والشتائم والطعن فى جماعة الإخوان المسلمين فى كتابه الشهير «الحصاد المر»، وسماه بذلك تعبيرًا عن أن حصادهم مر، وأرى أنه ظلم هذه الجماعة، وبخسها حقها، ونظر إلى نصف الكوب الفارغ، وتأملها من منظور الذى يكفّر الحكام وأتباعهم، ويمنع الاقتراب منهم، ومن منظور الذى يريد من الإخوان حرب الدنيا كلها، فـ«القاعدة» تريد أن تقيم الخلافة بالسيف.
والغريب أنها لا تملك من أدوات القوة شيئًا سوى تفجير المدنيين والسائحين، وترك الأعداء الحقيقيين فى كل مكان، وهذا منظور سيئ وغير صحيح، وفيه بخس لجهود الإخوان الدعوية والتربوية، حتى أن د. أيمن وجه سبابًا شديدًا وشن هجومًا عنيفًا على المؤسسين الأوائل لجماعة الإخوان، والذين ينأى الكثيرون عن نقدهم احترامًا وإجلالًا للموت، فقد أفرد صفحات كثيرة للهجوم على الشيوخ حسن البنا، والهضيبى الأب، والتلمسانى، وغيرهم.
فما الذى تغير فى الأمر ليتحول أعداء الأمس إلى حلفاء اليوم، ويتحول خصوم الأمس إلى أولياء اليوم؟
أعتقد أن الأسباب كثيرة، لكننى سأكتفى بذكر أهمها:
1 - تغيير قيادة الإخوان التى كانت تنأى بهم عن المجموعات المسلحة والعنيفة والتكفيرية، والمتمثلة فى التلمسانى وحامد أبو النصر والهضيبى ومشهور رحمهم الله، وبروز قيادات جديدة تنحو المنحى القطبى الذى يتفق فى كثير مع الأحيان مع أطروحات «القاعدة»، ويرى الاستفادة منها ولو حتى حين أو مؤقتًا، أو يرى الاستفادة منها كذراع مسلحة تخيف خصوم الإخوان دون تكلفة بشرية أو معنوية كبيرة.
2 - تعيين السفير رفاعة الطهطاوى رئيسًا لديوان رئيس الجمهورية، وهو خال د. أيمن الظواهرى. وم. محمد الظواهرى، وهو أفضل وسيط لعقد هدنة أو صفقة أو حلف بين القاعدة والإخوان يتجاوز فيه الطرفان كل المنطلقات الفكرية والأيديولوجية للدخول مباشرة إلى عالم المصالح المشتركة، وردع الخصوم المشتركين، واستفادة كل منهما من الآخر.
3 - تدشين صفقة تنسحب بمقتضاها القاعدة من باكستان وأفغانستان لتأتى إلى سيناء، وتعيش فيها آمنة مطمئنة، تاركة لأمريكا الانسحاب الهادئ من أفغانستان حتى لا يتعرض أوباما للحرج إذا ضربت قواته المنسحبة وهى فى أضعف حالاتها، وهو كذلك فى أضعف حالاته السياسية، وذلك فى مقابل مصالح كثيرة يجنيها الإخوان والقاعدة.
4 - تجميع مجموعات القاعدة من دول كثيرة ليعيشوا فى سيناء، ويتدربوا فيها تدريبًا جيدًا ليكونوا شوكة فى حلق إسرائيل إذا ما أراد الإخوان فعل ذلك، بعيدًا عن الجيش المصرى الذى قد يرفض الدخول فى مواجهات عسكرية محدودة أو متوسطة مع إسرائيل.
وإذا قامت «القاعدة» بتهديد المصالح الإسرائيلية على الحدود المصرية الإسرائيلية، فسيكون ذلك بمنأى عن الإخوان فى الحساب والعقاب، ويصب فى مصلحتهم السياسية إذا استطاعوا كبح جماح «القاعدة».
وهذه الفكرة كلها أراها ساذجة، ولا تحقق شيئًا من هذه الأهداف، بل ستكون مبررًا لإسرائيل لضرب سيناء، واجتياح بعضها، كما حدث من قبل فى دول عديدة.
5 - بناء قوة مسلحة قد تعين د. مرسى والإخوان فى أى أزمات داخلية مستقبلية على غرار حزب الله فى لبنان، والحرس الثورى فى إيران.
6 - أن تكون هذه المجموعات هى نواة للحرس الثورى المصرى السنى على غرار الحرس الثورى الإيرانى الشيعى الذى يعد العمود الفقرى الرئيسى للحكم الإيرانى، والذى جعله يستقر طوال كل هذه السنوات، فالاعتماد على مؤسستى الجيش والشرطة المصرية لم يكن مضمونا لدى د. مرسى والإخوان، خاصة أن الرئيس السابق د. مرسى لم يأتلف معهم، ولم يأتلفوا معه، وكانت بينهم جفوة شديدة بعد فترة قصيرة من ولايته.
7 - أن تكون هذه المجموعات بداية لدمج كل الذين يتوقون للحرب والجهاد أو الثائرين، ليكونوا بعيدًا عن ميادين السياسة، ويفرغوا طاقاتهم فى مثل هذه الأماكن النائية.
8 - الاستعانة بالدكتور أيمن الظواهرى والمهندس محمد الظواهرى فى تهدئة المجموعات المسلحة التابعة لهم فى سيناء حتى لا تكرر عملياتها ضد الجيش المصرى هناك، وبخاصة أن قتلهم الـ16 جنديا فى شهر رمضان وهم يفطرون المغرب أثار استياء واسعا فى الجيش وبين الشعب المصرى، وذلك مقابل الإفراج عن بعض المجموعات التابعة لهم فى السجون، ولذلك لم تحدث حوادث بعد قتل الـ16جنديا رغم الوجود المكثف لهذه الجماعات فى سيناء، باستثناء خطف الجنود السبعة الذى تم بطريقة سلمية للإفراج عن أتباعهم بالسجون المحكوم عليهم بالإعدام.
والخلاصة.. إننى بعد دراستى المتفحصة والمتأنية لهذا التحالف الذى تم بين أفرع القاعدة فى سيناء والدلتا والقاهرة وخارج مصر، أرى أن فكرة التحالف بين الإخوان وكل المجموعات القاعدية والتكفيرية أضرت بالإخوان، وحملتهم ما لا يحتملون من مسؤولية العنف والتفجيرات والاغتيالات والحرائق، وألصقت بهم أشياء كثيرة لم يصنعوها، وقد يكون بعض قادتهم غير راض عنها، كما أن هذا التحالف لم يفدهم شيئًا، بل أضر بهم، وأساء إليهم دعويًا وتربويًا وتاريخيًا وفكريًا، وأخر أى مصالحة بينهم وبين الدولة، ولم يحقق أى مصلحة من المصالح التى توخاها الطرفان منها، ولم يقرب فى الحقيقة بين فكر وقلب وروح الطرفين، وأتى بعكس كل ما كان يتوقعه الإخوان من هذا التحالف.. وهذا يدل على أن أصحاب هذه الفكرة لم يقرأوا جيدًا أى تجربة إسلامية مع هذه الأفكار، بداية من سيدنا على بن أبى طالب حتى اليوم.