حين تشهد مصر فى يوم واحد 4 عمليات إرهابية، ويسقط عشرات الضحايا والشهداء فإن واجبك الإنسانى، ولا نقول الوطنى، أو الدينى، أن تتعاطف مع هؤلاء الضحايا وذويهم حتى لو كانت لديك مظلومية، وحتى لو كانت لديك مطالب تراها عادلة فلا يجب أن تصدرها وتصر عليها رغم أنف أهلك وأبناء شعبك المحيطين بك.
الإخوان، كما هى العادة، فعلوا فى مصر، أمس الأول، العكس تماماً، فحلفاؤهم الإرهابيون من تنظيم بيت المقدس فجروا سيارة أمام مديرية أمن القاهرة، ومحطة مترو البحوث، وسينما رادوبيس بالهرم، وقسم شرطة الطالبية فقتلوا من قتلوا وأصابوا من أصابوا، والإخوان فى كوكبهم وعالمهم الخاص يتظاهرون فى الشوارع، ويطلقون الحجارة وقنابل المولوتوف دون أدنى شعور إنسانى بأن هؤلاء الضحايا هم إخوتهم فى الوطن، أو ربما الدين أو حتى الإنسانية.
لقد تظاهر الإخوان فى القاهرة والإسكندرية وبنى سويف ودمياط وفى مناطق مختلفة دون أن يعيروا هؤلاء الشهداء والمصابين أى اهتمام، وبدوا- كما هى العادة- منفصلين تماماً عن وجدان الشعب المصرى.
هل يتذكر الإخوان ما فعلته تيارات سياسية كثيرة معارضة لمبارك لحظة وفاة حفيده، ومنها جماعات مسيحية فى أمريكا، كانت تنوى التظاهر ضده، وقررت إلغاء فعالياتها من باب التعاطف الإنسانى مع الرجل الذى رفضه أغلب المصريين.
الإخوان فى الحقيقة يفعلون العكس، فبدلاً من أن يقولوا: سنوقف فى هذا اليوم الحزين المظاهرات تضامناً مع الضحايا، ونقدم تعازينا لأهلهم وذويهم، فيفتحوا الطريق أمام مصالحة مجتمعية قبل السياسية، ويصبحوا مع الوقت فصيلاً معارضاً وليس جماعة مخربة، ولكنهم كما هى العادة فعلوا العكس، واستمروا فى مظاهراتهم العنيفة، بل إن بعضهم شمت فى الضحايا معبراً عن شعور نادر فى كراهية المصريين.
رد فعل قادة الجماعة تجاه ما يجرى فى مصر ليس مجرد رد فعل فصيل يشعر بالظلم والاضطهاد، إنما هو رد فعل طائفة أو جماعة تجاه مجتمع تكرهه وتشتمه كل يوم.
مشكلة الجماعة مع الشعب المصرى لم تكن مشكلة مع تيار حزبى أو سياسى وصل للسلطة وعارضه الناس، إنما هى جماعة سرية منغلقة على أعضائها ومنفصلة عن المجتمع والدولة معاً.
لقد أصرت جماعة الإخوان المسلمين، حتى بعد وصولها للسلطة، أن تظل سرية، ورفضت أن تقنن وضعها وتصبح جماعة شرعية وفق قوانين الدولة التى تحكمها، وهو ما عمّق الصورة الذهنية عن أنها طائفة تحكم البلاد من وراء الستار، ولديها خطط لهدم الدولة (التى لم تؤمن بها)، والبقاء الأبدى فى السلطة.
إن ما يقوم به الإخوان حالياً من أفعال يدل على حجم الانفصال الوجدانى عن عموم الشعب المصرى نتيجة الخلل فى صيغة الجماعة نفسها، وفى بنيتها العقائدية والتنظيمية التى أنتجت ما يشبه الكيان الموازى لكل شىء تقريباً فى مصر (إلا الجيش والشرطة والقضاء): علم إخوانى فى مواجهة علم الدولة، وكيان إخوانى خدمى فى مواجهة خدمات الدولة (شبه الغائبة فى كثير من الأحيان)، وعزلة شعورية تضع عضو الإخوان فى بوتقة منفصلة عن المجتمع فى مواجهة وطنية مصرية تلقائية لم ولن يتخلى عنها الشعب المصرى.
علينا ألا نندهش من جرعة الكراهية التى يخرجها قادة الإخوان تجاه الشعب المصرى كل يوم، فهم اختاروا أن يكونوا فى عزلة شعورية عن المجتمع بتعبير سيد قطب.