قد لا يكون من قبيل المصادفة أن يأتى ذلك الانفجار الآثم، الذى وقع فجر أمس أمام مديرية أمن القاهرة بشارع بورسعيد، والذى سمعت دويه فى منزلى بالمعادى، فى وقت يستعد فيه الشعب للاحتفال اليوم بالعيد الثالث لثورته المجيدة، فالاحتفال بالثورة هو احتفال بتحرر الشعب من سيطرة الحكم واستبداده سواء كان لمبارك أو لمرسى، والثورة التى أسقطت الأول أسقطت أيضاً الثانى، إن الاحتفال بالثورة هو احتفال بالحرية والانعتاق، بينما تفجيرات الإرهاب هى تكريس للعبودية والاستبداد، فلا يمكن أن يكون من تسبب فى هذا التدمير وفى إزهاق أرواح المواطنين الأبرياء حاملاً أى رسالة حب أو حرص على هذا الشعب، وإنما هى رسالة كراهية وبغض لا تستهدف فقط أرواح المواطنين وأمنهم وإنما تستهدف أيضاً فى وحشيتها الهمجية التاريخ الحضارى لهذا الشعب العريق، الذى طالما وقف العالم مشدوهاً أمام إنجازاته المبهرة.
إن ما حدث للمتحف الإسلامى ودار الوثائق القومية المجاورة له هو خسارة نهائية لا يمكن استرجاعها، فالمتحف الذى تكلفت إعادة ترميمه أكثر من مائة مليون جنيه وأقيم على أحدث الطرز التى وصل إليها علم المتاحف Museology، تهدم بشكل شبه كامل يستلزم إعادة عملية الترميم لهذا المبنى التاريخى المتفرد فى معماره الإسلامى الأصيل، والذى يزيد عمره على قرن كامل من الزمان، أما المعروضات التى أتلفت تلفاً كاملاً فهى خسارة للإنسانية فادحة، إن متحف الفن الإسلامى المصرى من أهم المتاحف التى تشهد على الحضارة الإسلامية فى العالم ومجموعته الفنية مشهود لها دوليا.
ويجاور المتحف دار الوثائق القومية التى سعى حكم الإخوان بلا جدوى للحصول على بعض الوثائق التى كانت بها، ثم جاءت يد الإرهاب الأسود لتتلف هذه الوثائق التاريخية المهمة تلفاً كاملاً.
فأى رسالة هذه التى يحملها الإرهاب الأسود لمصر وشعبها وحضارتها الإسلامية الراقية؟! إنها رسالة الدمار التى لا يمكن أن نسكت عليها، بل علينا أن نقف فى وجهها ليس فقط بالوسائل الأمنية ولا فقط بالتصدى السياسى، وإنما أيضاً بالحضارة والثقافة والفكر والفن الذى يريدون هدمه وتدمير آثاره على مر العصور.
سننزل اليوم جميعاً إلى ميدان التحرير لنحتفل بالثورة التى خلصتنا من الظلم والاستبداد، ومن تلك الكراهية لكل معالم الرقى فى تاريخنا، سننزل لنؤكد لهم أنهم لن يعودوا، لأننا الآن نطرق باب المستقبل المشرق الذى لا مكان لهم فيه.