فى لحظات ما كنت أحد الذين جال بخاطرهم عرض فكرة التصالح مع من كنت أظنهم من عقلاء من جماعة الإخوان المسلحين، وحدثت بعضهم وهم من المحسوبين على المثقفين وصناع الرأى العام فى بلادى مصر، عن فكرة ضرورة إعادة الإخوان تفكيرهم وفقا للمعطيات الجديدة بعد أن أقر الشعب بإنهاء ما اعتبره شخصيا "بروفة" لنظام حكمهم للبلاد، على أن يندمجوا فى المجتمع طالما أرادوا البناء والإصلاح كما يدعون، غير أنه خاب ظنى وجاء ردهم اتهاما حينما قال أحدهم "أنتم لديكم تعلميات باحتوائنا ولكن لن تفلحوا فى ذلك ابدأ"، وهنا أدركت خطأ الفكرة التى راودتنى لحين، وذلك لأسباب كان أهمها عندى طريقة التفكير ونظرتهم لغير أعضاء الجماعة بأنهم ليسوا مجرد مواطنين، وإنما أعداء لهم، وهنا تثبتت لدى الأفكار التى سبق وأن بنيتها عن الجماعة سواء من خلال دراسة تاريخهم أو حتى العمل الصحفى الذى كان يفرض علينا فى فترات مضت أن نجرى حوارات مع قادتهم، كشفت طريقة تفكيرهم ونظرتهم للدولة ونظام الحكم بشكل عام.
وجاءت بعد ذلك أحداث جسام كان من بينها حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية، والذى أعقبه قرار الحكومة بتصنيفها إرهابية، ثم كان حادث التفجير الإرهابى الذى استهدف مديرية أمن القاهرة وعدد من المبانى والمنشآت الأثرية، لتؤكد من جديد أن جماعة الإخوان لم تكن سلمية يوما ما، وأن تصنيفها كجماعة إرهابية لم يأت فى فراغ، ولم يكن ظلما أو افتراء عليها، كما تدعى الجماعة وأنصارها.
غير أن الموقف الرسمى والشعبى من الجماعة التى ثبت باليقين أنها مسلحة، لم يكن على نفس قدر التصنيف كجماعة إرهابية، فما زالت الجماعة وأنصارها يخرجون فى الشوارع، متحدين قانون التظاهر رافعين الشعارات والعلامات المحظورة، وهم يمارسون إرهاب المواطنين الآمنين، فى وقت اكتفت فيه أجهزة الأمن بمجرد تأمين المواقع التى تمر بها تلك التظاهرات دون تدخل لمنعها، وهو الأمر الذى منح الجماعة ومن يدعمونها الفرصة لكى تمارس مزيدا من الإرهاب فى الشوارع، ويساندها فى ذلك وسائل إعلام عربية وغربية، ترى فى سقوط الإخوان خسارة كبيرة لمصالحها، ومصالح الدول الكبرى التى تعمل لصالحها.
واتسم أيضا الموقف الشعبى من إرهاب الإخوان بنوع من التسامح والذى كاد يصل إلى ظهور أحاديث ببحث فكرة التصالح المجتمعى معها، مما أدى بدوره إلى زيادة عنف الجماعة وتحديها للدولة وأجهزتها وأيضا للإرادة الشعبية.
وممارسات جماعة الإخوان الإرهابية فى حاجة إلى إجراءات أخرى أكثر صرامة من جانب الدولة، فكما اتخذت قرارا فى أعقاب أحداث مديرية أمن المنصورة بتصنيف الجماعة إرهابية، فإن عليها بكل أجهزتها بعد حادث مديرية أمن القاهرة، اتخاذ إجراءات أكثر صرامة فى مواجهة تلك الممارسات التى تزداد حدتها مع كل خطوة نحو الاستقرار وإعادة بناء الدولة، وهنا تقع أيضا على القوى الشعبية مسئولية كبيرة فى مواجهة هذا الإرهاب، وذلك بمزيد من عزل الجماعة شعبيا، وعدم التمادى فى حديث التصالح.