فى الخطب العامة والتصريحات وقناة الجزيرة فإن الخطاب الإخوانى المعلن هو مقاطعة «الدولة الانقلابية بكل وزاراتها وهيئاتها وأجهزتها» والدعوة المستمرة لإسقاطها. وفى الواقع العملى فإن ما تبقى من قادة الإخوان خارج السجن يتمنون أن تتعطف عليهم هذه «الدولة أو الحكومة الانقلابية» وتجلس معهم وتحاورهم وتفاوضهم من أجل حل يعيد إليهم أى شىء مما كان، أو يسمح لهم بخروج آمن مما هم فيه.
وما بين هذين الخطابين المتناقضين هناك أكثر من خطاب إخوانى مراوغ فى المنتصف.
مرة يهاجم البرادعى لأنه انقلابى ومرة يتقرب منه لأنه انقلب على الحكومة.
ومرة يتهم الاشتراكيين الثوريين بأنهم عملاء وكفرة ويريدون هدم أركان الدولة عندما كان الإخوان فى الحكم ومرة يتم وصفهم بأنهم ثوار أحرار يناضلون من أجل الديمقراطية لأنهم يعارضون دولة ٣٠ يونيو الآن.
يعتقد الإخوان أن اللعب على كل الحبال سوف يقودهم الى مبتغاهم وهو العودة الى الحكم مرة أخرى.
يقول الإخوان إنهم سيكسرون الانقلاب ولا يعترفون بنيابة أو قضاء الانقلاب، ويقول بعض أنصارهم إنهم يرفضون عفو الرئيس عدلى منصور عن فتيات الإسكندرية بل ينبغى الإفراج عنهم بالذوق أو العافية.
وعندما تم الإفراج عنهم بحكم الاستئناف من المحكمة فلم نر إخوانيا يطالب بعودتهم للسجن مرة أخرى حتى يتم «تحريرهم بالعافية».
وفى المقابل يوسط الإخوان كل من يعرفون من «التيار المدنى الليبرالى العلمانى» لكى يحصل لهم على موعد ليجلسوا مع أى رتبة ولو ملازما أول تمثل هذا الانقلاب الذين يريدون كسره!!.
الإخوان ماهرون منذ زمن طويل فى هذه المرواغات لكن خطورة هذه اللعبة الجهنمية أنها أغلب الظن سوف ترتد عليهم.
سبب ذلك أن قواعدهم التى تؤمن بأفكارهم تصدق ما يقوله هؤلاء القادة من أخبار وبالتالى فلا يحسب الإخوان حساب يوم قد يتوصلون فيه الى صفقة مع الحكومة يتنازلون فيها عن جانب كبير من مطالبهم فماذا سيقولون يومها لأنصارهم؟.
صعد الإخوان إلى شجرة عالية جدا ثم ألقوا بالسلم بعيدا وبالتالى فهم يحتاجون أولا إلى من يعيد لهم السلم ثم يساعدهم فى النزول وبعدها يحتاجون للتكيف مع مناخ الواقع الأرضى الجديد المختلف كليا عن مناخ الشجرة المرتفع.
يحسن الإخوان صنعا إذا بدأوا من الآن فى إعادة النظر كليا فى خطابهم الرئيسى الموجه إلى أتباعهم وأنصارهم وأول شىء يحتاجونه هو التواضع قليلا وهم يتحدثون عن الواقع.
عندما تجلس مع بعض قادة أو كوادر الإخوان يقولون لك نعرف أن مرسى أو مجلس الشورى والدستور لن يعودوا، وأن ما قبل ٣٠ يونيو لن يرجع بأى صورة من الصور بل يقولون إنه يصعب تصور عودة الإخوان للسلطة قبل عشرات السنين. وعندما تقول لهم لماذا لا تقولون ذلك لأنصاركم المخدوعين ينظرون لك شذرا ساخرين قائلين: هل تريد لنا أن ننتحر؟!!.
لا أمل يرجى من الإخوان قبل أن يدركوا ما حدث من زلزال ويعتذروا للناس ويعيدوا تقييم كل تجربتهم بعمق ويغيروا ما بأنفسهم قبل أن يطالبوا الناس بالتغيير.