اندلعت أمس موجة جديدة من الغضب الشعبي في العالم الإسلامي احتجاجا علي الرسوم الفرنسية المسيئة للإسلام, في الوقت الذي سارعت فيه الدول الكبري لتأمين بعثاتها الدبلوماسية وتستعد لإغلاق منشآتها الدبلوماسية في الدول الإسلامية .
تحسبا لاندلاع مظاهرات غاضبة اليوم في بعض الدول الإسلامية. احتجاجا علي الرسوم المسيئة للرسول الكريم التي نشرتها مجلة شارلي إبدو الفرنسية أمس الأول.
فقد شارك مئات الأفغان في مظاهرات احتجاجية غاضبة في كابول أمس ورددوا هتافات مثل الموت لفرنسا والموت لأمريكا ويحيا الإسلام وتحيا أفغانستان, إلا أن المظاهرات اتسمت بسلميتها ولم ترد أي أنباء عن سقوط ضحايا خلالها أو اندلاع أعمال عنف.
يأتي ذلك في الوقت الذي شارك عشرات الطلبة الإيرانيين في تظاهرة غاضبة أمام السفارة الفرنسية في طهران وهم يهتفون الموت لفرنسا وأمريكا, حيث دعوا الشعب الفرنسي إلي مطالبة حكومته باحترام المقدسات. في حين شددت السلطات الإيرانية إجراءاتها الأمنية حول السفارة خوفا من أي تطورات عنيفة للأزمة.
وفي جاكرتا, أصدرت السفارة الأمريكية بيانا أكدت فيه إغلاق جميع بعثاتها الدبلوماسية في إندونيسيا بعد تلقيها تهديدات من مظاهرات محددة اليوم الجمعة. وطالبت رعاياها بتجنب التجمعات.
وتزامنت هذه الشرارة الأولي لمظاهرات الغضب المرتقبة مع توجيه وزارة الخارجية الفرنسية- عبر موقعها الإليكتروني- رعاياها والسائحين الفرنسيين بالدول الإسلامية إلي تفادي التجمعات في هذه الدول, وذلك تحسبا لأي رد فعل بسبب الرسوم المسيئة للرسول عليه السلام.
كما عززت فرنسا الإجراءات الأمنية حول سفاراتها والمدارس الفرنسية في الدول الإسلامية وسط مخاوف من تحول أنظار الإسلاميين إليها بعد أيام من الاحتجاجات ضد الولايات المتحدة بسبب الفيلم المسيء للرسول الكريم. وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنه تقرر إغلاق جميع السفارات والمراكز الثقافية والمدارس الفرنسية في20 دولة اليوم الجمعة في إجراء احترازي.
أما في باريس, فقد منعت الشرطة الفرنسية مظاهرة للجالية الإسلامية أمام الجامع الكبير بوسط العاصمة كان من المقرر لها غدا السبت, وهو ما يأتي في إطار قرار رسمي يحظر أي مظاهرات تندد بالفيلم الأمريكي المسئ للإسلام.
وفي رد فعل متعقل, أعلن مصدر قضائي فرنسي أن الجمعية السورية من أجل الحريات تقدمت بشكوي أمام النيابة العامة في باريس ضد مجلة شارلي ابدو الأسبوعية الفرنسية الساخرة بتهمة الحض علي الكراهية بعد قيامها بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول( ص) في عددها الصادر أمس الأول, بينما أكد المصدر نفسه إن النيابة العامة فتحت من جهة أخري تحقيقا حول تعرض الموقع الالكتروني للمجلة علي شبكة الانترنت لعملية قرصنة.
واتهمت الجمعية في شكواها المجلة الفرنسية بالتحريض العلني علي التمييز والكراهية والعنف العرقي والديني.
ومن ناحيتها, وجهت صحيفة لوموند الفرنسية انتقادات حادة للرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارلي إبدو الفرنسية المسيئة للإسلام, ووصفتها بأنها مؤسفة وتنم عن ذوق سيئ, مضيفة أن نشر المجلة لتلك الرسوم في الوقت الحالي يساهم في سكب الزيت علي النار بدرجة تشكك بالفعل في مدي شعور الكتاب والناشرين بالمسئولية. وأكدت الصحيفة العريقة أن الأديان نظام فكري وعقائدي جدير بالاحترام, إلا أنه يمكن أن يتعرض للتحليل والنقد والسخرية أيضا بكل حرية. فهذا أمر معروف منذ عصر فولتير, ومهما كان الرأي في قرارات النشر لمجلة( شارلي إبدو) فإنه لا يمكن الحد من حريتها إلا عبر قرارات من المحكمة.
وفي الوقت ذاته, تزايدت نسبة الفرنسيين المعارضين لتصويت الأجانب في الانتخابات المحلية الفرنسية كنتيجة مباشرة للمظاهرات التي استهدفت مؤخرا السفارة الأمريكية في باريس أحتجاجا علي الفيلم المسيء للرسول( ص) وأعتداءات مدينتي تولوز ومونتوبون في الربع الأول من العام الحالي علي شاب مسلم جزائري الأصل.
وذكرت صحيفة لوباريزيان الفرنسية أن نسبة المعارضين لتصويت الأجانب من غير الأوروبيين ارتفعت من55% في يناير الماضي إلي16% عقب المظاهرات الأخيرة ضد السفارة الأمريكية في باريس.
وفي واشنطن, أثار البيت الابيض تساؤلات بشأن الحكمة وراء قيام المجلة الفرنسية بنشر الصور التي أدت إلي اغلاق سفارات ومدارس فرنسية في انحاء العالم, ولكنه أكد في نفس الوقت الحق في نشرها. وأكد جي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض: لدينا بالطبع تساؤلات بشأن الحكمة من وراء نشر شيء مثل هذا.. ولكن من الواضح أن هذه الصور المهينة ربما تثير قلاقل.
وعلي صعيد الفيلم المسئ, رفعت ممثلة شاركت في فيلم براءة المسلمين المناهض للإسلام أثار احتجاجات عنيفة في أنحاء العالم الاسلامي دعوي قضائية علي رجل من كاليفورنيا يشتبه في تورطه في إنتاج الفيلم واتهمته بالاحتيال والتشهير قائلة إنها تلقت تهديدات بالقتل بعد نشر الفيلم علي موقع يوتيوب.
واختصمت الممثلة سيندي لي جارسيا ايضا شركة جوجل ووحدة يوتيوب التابعة لها والتي عرضت فيها مقتطفات من الفيلم علي الإنترنت واشارت إلي انتهاك حقها في الخصوصية وتعريض حياتها للخطر. وطلبت الدعوي التي أقامتها ايضا ازالة الفيلم من علي الإنترنت.
وفي برلين, أكد باحث ألماني متخصص في الدراسات الإسلامية أن موجة الغضب التي اجتاحت العالم الإسلامي بسبب نشر مجلة فرنسية رسوما كاريكاتورية جديدة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم ليس لها علاقة بالاختلافات الثقافية مع الغرب.
وقال توماس باور, الأستاذ بجامعة مونستر الألمانية علي عكس ما هو معتقد يوجد في العالم الإسلامي تراث عمره ألف عام من السخرية والفكاهة إلي جانب تراث من الرسوم الكاريكاتورية خلال القرنين الماضيين لم يتورع مطلقا عن تناول موضوعات دينية.
وأضاف باور أن هناك علي سبيل المثال في العالم الإسلامي سخرية مستمرة من شخصيات دينية, مما يعني أنه لا يمكن الحديث عن غياب لروح الفكاهة في العالم الإسلامي, وقال: لكن ما لا يمكن فهمه هناك هو السخرية من شخصيات محورية دينية سواء في الدين الإسلامي أو الأديان الأخري, مضيفا أن السيد المسيح والسيدة العذراء مريم والأنبياء جزء من المعتقدات الإسلامية.
وقال باور: هذا النوع من السخرية ليس مألوفا في المجتمعات الإسلامية, كما أن إهانة الدين يعتبر من الأمور المرفوضة لديهم... المسلم ربما لا تواتيه فكرة نشر رسوم كاريكاتورية عن البابا أو الإساءة إلي المسيحية أو اليهودية كدين