كان خطاب الحركة الإسلامية فى الفترة الماضية خطاباً حربياً.. يستلهم تارة مفردات الحجاج بن يوسف، الحاكم الطاغية، ونحن فى القرن 21.. فيهدد بقطع الرؤوس التى أينعت وحان قطافها.
والغريب فى الأمر أن الرؤوس التى قطفت هى رؤوسنا نحن دون سواها.. ويهدد بمائة ألف مقاتل، وكل مقاتل بألف مقاتل، دون مبرر وبالمخالفة للحقيقة.. ويهدد فى بعض مفرداته «بالسحق ورش الدماء على من يرشنا بالماء».. ويتحدث عن القتل دون مبرر على الإطلاق وقبل الهنا بسنة «قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار».. مع أن الجنة والنار هى ملك لله وحده.
ويطلب تارة ويهدد أخرى بحصار هؤلاء أو هؤلاء.. حتى هدد البعض القضاة بمحاصرة منازلهم فى مليونية تطهير القضاء.. فاتصل بى أحد القضاة قائلاً: ما هذا الذى يحدث.. وما شأن نسائنا وأولادنا بمشاكل السياسة وخصوماتها التى لا تنتهى!
لقد تعلمت من حياتى الصعبة أن خطاب الحرب يؤدى إلى الحرب حتى لو لم يرد أصحابه ذلك.. وخطابات التهديد والوعيد قد تجر لمعركة لا ترغبها ولا تريدها.. ولنا فى خطب الرئيس عبدالناصر قبل هزيمة 1967م المثل والعبرة.. ومنها كلماته الشهيرة «سألقى إسرائيل ومن وراء إسرائيل فى البحر».. فألقينا نحن فى بحر الهزيمة المظلم، وذاقت مصر أسوأ هزيمة عسكرية فى تاريخها، واحتلت سيناء والقدس والجولان والضفة وغزة فى سابقة فريدة.. فالحرب تبدأ بالكلمة، وقد يشعلها البعض ثم لا يستطيع أعظم الحكماء أن يطفئ جذوتها.
وكم كنت أود أن تتعلم الحركة الإسلامية خطاب السلام والتسامح والعفو والصفح.. وأن تدرك أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمره ربه بالعفو فى 19 آية كاملة بذلك، فتارة يقول له «فاصفح عنهم وقل سلام».. وتارة يأمره بقوله «فاعف عنهم واصفح».. وتارة يدعوه إلى الصفح عن المسيئين إليه حتى دون عتاب.. وهذا ما سماه القرآن «الصفح الجميل» فى قوله تعالى «فاصفح الصفح الجميل».
ويمكننا أن نتعلم ذلك من مانديلا إن لم نتعلمه من الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذى قال لأهل مكة الذين آذوه واضطهدوه «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، أو من نبى الله يوسف، الذى قال لإخوته الذين أرادوا قتله وباعوه بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين».
ويؤسفنى أن القساوسة فى مصر كانوا أذكى منا فى خطابهم.. هذا الخطاب الحربى قبل أن يحدث أى شىء.. وهم حرقت لهم 50 كنيسة، فإذا بهم يستعيرون خطاب السلام قائلين «نحن نصلى من أجل الذين حرقوا كنائسنا».. فهدأ كل الأقباط، وهدأت الدنيا بخطاب السلام.. مع أن هذا الخطاب موجود أصلاً فى القرآن «وأن تعفو أقرب للتقوى»، وكان الأولى بنا استعارة هذا المعنى دون غيرنا.. والآن ماذا أفادتنا الحرب غير السجون والمعتقلات والدولة البوليسية والدماء التى تسيل من الجانبين وبداية الاحتراب الأهلى وتقسيم المجتمع!
فهل نغير خطاب الحرب مع خصومنا السياسيين من أبناء الوطن الواحد إلى خطاب السلام.. وخاصة بعد أن ظهر للصغير قبل الكبير أن هذا الخطاب هو جزء من مآسينا دائماً.