البرادعى خائن وعميل

«البرادعى خائن وعميل».. هكذا جاءتنى العبارة عبر التليفون.. من صديقى - البردعاوى كما كان يحب أن نصفه دائما - القاطن فى رابعة العدوية.. ممتزج صوته المبحوح بأصوات طلاقات نيران كثيفة.. يتصور من يسمعها أنها تأتى من جندى.. يتحدث من أرض معركة.. تدار فيها معارك طاحنة.. حيث كان فض الاعتصام المسلح للإخوان.

فصدمنى ما قاله صديقى البردعاوى، ولم أفهم أسباب ذلك.. إلا من كلماته المفسرة التى كانت تخرج مختنقة.. بأن البرادعى استقال من منصبه.. كنائب لرئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية.. فقد باع الوطن، واتضح أنه خائن وعميل.

فأسكتتنى صدمة ما سمعته ثوانى قليلة.. لأكسر الصمت.. وأتفه من هذا الأمر لصديقى.. للتهدئة من حالة الهلع التى انتابته.. ليس خوفا على نفسه، وإنما على أهله.. الذين صعد الإرهابيون الإخوان إلى سطح عمارتهم.. واقتحموا شققهم.. ليطلقوا الرصاص على قوات الأمن بلا انقطاع.

وبعد انتهاء المكالمة.. دخلت فى حالة من التفكير العميق.. وتأمل لماذا فعل البرادعى ذلك؟!.. أهو خائن وعميل كما يقول صديقى.. وكما كان يخبرنى دائما الدكتور ممدوح حمزة.. أم أنه فقط لم يكن قدر المسؤولية التى أسندت إليه.. فعرض مصر وهى فى ظروف صعبة لوضع سيئ جدا خارجيا.

لقد التقيت الدكتور البرادعى عدة مرات.. من قبل الثورة أكثر من مرة عندما شكلت الجمعية الوطنية للتغيير.. وفى أثناء الـ18 يوما الأولى لثورة يناير.. وبالتحديد اليوم التالى لموقعة الجمل حيث ذهبنا «ائتلاف شباب الثورة» لمنزله.. لنستعرض ونفكر معا كيف ستكون الأمور فى المرحلة المقبلة.. وأنهينا اللقاء متوجهين إلى ميدان التحرير.. فتم فى الطريق القبض علىّ مع ثمانية من زملائى هم أحمد دومة.. عمرو عز.. عمرو صلاح.. شادى الغزالى حرب.. ناصر عبدالحميد.. ياسر الهوارى.. مصطفى شوقى.. محمد عرفات.. لنحتجز لمدة 3 أيام فى مكان تابع لإحدى الجهات السيادية.. واستطاع البرادعى أن يمارس ضغوطا سياسية على الجهات الأمنية.. حتى تم إطلاق سراحنا.

ولم ألتق البرادعى مجددا إلا فى مقر حملته فى جاردن سيتى مع عدد من الشباب.. عندما اتخذ قرارا بالانسحاب من الترشح فى الانتخابات الرئاسية.. حيث كان فى حالة زهد شديدة.. فلم يكن الرجل طامعا يوما فى أى منصب سياسى.. ودائما ما كان يقول لا أريد أن أتولى شيئا.. وإنما إن أردتم أن أتولى مسؤولية.. فضعونى أينما شئتم لأخدم مصر.

فأنا لم ولن أشكك فى الإخلاص الوطنى للرجل.. لكن كان لديه عيوب خطيرة لا تتسق مع رجل دولة يستطيع تحمل المسؤولية.. فقد كان ملولا.. سريعا ما يريد أن يهرب من أى مشهد فيه ضغوط شديدة.. كنا نتوسل إليه فى بداية ثورة يناير أن يبقى فى مصر.. فالثورة فى حاجة لرموز لتحمل المسؤولية.. حتى لا يعود النظام القديم.. إلا أنه كان كثير الأسفار.. بجانب أنه لم يكن يستمع إلا لشلة صغيرة حوله من الشباب.. الذين كانوا يثيرون حفيظة شباب الثورة والشعب عامة.. حيث أضر هؤلاء الثورة والبرادعى.. فأضروا الثورة بخطابهم الإعلامى الردىء والمنفر للعامة.. وأضروا البرادعى كمستشارين له.

فلم يكن من حق البرادعى أصلا أن يستقيل.. فقد آمن به كثير من الشباب.. وعانوا من أجل أن يكون فى موقع المسؤولية.. فسلمناه أمانة خانها، ولم يكن على قدرها.. فالثورات من أجل أن تنتصر فى حاجة إلى الشجعان وليس المتخاذلين.. فالإخوان وجهوا للوطن طعنات من الأمام.. والبرادعى طعننا جميعا من الخلف.. فهرب فى وقت تحتاج فيه مصر إلى الجميع.. ليضعنا جميعا وهو مسؤول عن العلاقات الخارجية فى وضع فى غاية الصعوبة أمام العالم.. فلم يأت على باله أن يؤجل الاستقالة حتى ننتصر على الإرهاب.. وإنما استقال ومصر فى أرض المعركة لنغرق جميعا.. ولكننا انتصرنا وسننتصر.. فكل ما أتمناه الآن.. أن يخبرنا البوب عن وسيلة واحدة من الوسائل، التى كان يتحدث عنها فى معالجة الاعتصامات غير ما حدث.