إذن فمبارك ونجله وطنطاوي ونائبه ومرسي وعشيرته يدفعون في الأساس ثمن استرخاصهم وفساد ذوقهم وفشلهم في انتقاء من يقوم بتبرير خطاياهم بإنجليزية متقنة وعربية شيك وكدب متساوي.
تقول ذلك لنفسك وأنت تتأمل الدكتور مصطفى حجازي الذي ظنّ أن شياكته المفرطة و«ألاجته» الدائمة ستكفي ليصدق كل الناس التبريرات البائسة للمجازر الأمنية التي روجها في مؤتمره الصحفي الذي عقده بصفته الواجهة الأشيك للرئيس الفاترينة عدلي منصور، كثيرون صدقوا ما قاله صديقنا حجازي من تبريرات لأنها جاءت من «حد محترم وشه سمح»، بل إن بعضهم تطوع بالدخول على الإنترنت وعاد لينسب إليه كتبا ألفها عالم النفس اللبناني المهم الدكتور مصطفى حجازي أعظمها كتابا «الإنسان المهدور» و«الإنسان المقهور»، وهما كتابان لو أعاد قراءتهما صديقنا المستشار لقدم استقالته من منصبه على الفور لكي لا يواصل تجميل وجه سلطة تواصل كسابقاتها هدر كرامة الإنسان المصري وقهره.
«الصرف باين في الشغل»، ولذلك بدلا من أن تأتي الدولة الأمنية بمتحدث رسمي من «أبو قديمو» ليضرب لخمة حين يسأله صحفي فرنسي عن مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة، هاهي تستعين بصديقنا الخبير الإستراتيجي الذي قال للصحفي بكل جسارة أن مافعلته الداخلية هو تماما مثل ما فعلتموه في فرنسا في مواجهة مظاهرات 2006 الشهيرة، صفق الكثيرون لما قاله حجازي منبهرين بقدرته في «الحطّ» على أعداء التماسك الوطني من الصحفيين الفرنجة، وللأسف فإن صديقنا الخبير ببواطن الأمور لم يقل أن السلطات الأمنية الفرنسية عندما واجهت المظاهرات التي تطورت إلى أحداث شغب عنيفة قامت باعتقال أكثر من 4900 خارج على القانون دون أن تقتلهم أو ترتكب مجزرة تزيد الطين بلة، لم يقل حجازي لمن سيثقون فيه لأنه «حدّ محترم» أن السلطات الفرنسية لم تقتل يومها ما يقرب من 700 شخص في مكان واحد فقط دون أدنى مراعاة للمعايير الإنسانية لتدخل البلاد في دائرة دم جهنمية، ولم تقم بقنص من يقومون بإسعاف الجثث وتصوير الأحداث في رؤوسهم وصدورهم، ولم تستخدم وسائل الإعلام في ترويج الأكاذيب عن أسلحة ثقيلة وكيماوية لم يعثر عليها أحد، ولم تقم بتدمير مسرح فض الإعتصام لإخفاء الأدلة عن العدالة، ولم تسمح للمواطنين المتعصبين الشرفاء بضرب وإهانة من يتم اعتقاله لمجرد أنه ينتمي إلى الأغيار أعداء الوطن، وكل هذا يعرفه صديقنا بالتأكيد لكنه يعرف أيضا أن الأهم من الشغل «تضبيط الشغل»، ولذلك لم يقل شيئا منه لأن «الإستراتيجية حلوة ما فيش كلام».
عندما تولى مصطفى حجازي منصبه كتبت مستبشرا بوجوده في دائرة صنع القرار ومشيدا بحديثه عن أهمية العدالة الإنتقالية كسبيل وحيد لتحقيق الإستقرار، وتصورت أن وجوده مع الدكاترة البرادعي والببلاوي وزياد بهاء الدين وحسام عيسى والعم كمال أبو عيطة سيشكل قوة ضغط على الدولة الأمنية «المتسربعة» على استعادة كامل نفوذها، لإقناع قادتها ولو من باب البراجماتية بأهمية عدم الحف عند الأكل عملا بالمبدأ الإستراتيجي «خلي شوية عليا وشوية عليك علشان المركب تمشي بيا وبيك»، لكن صديقنا حجازي هو ومن رفضوا نفض أيديهم من دائرة الدم كما فعل البرادعي وقرروا البقاء في كراسيهم لأن الدماء التي سالت تخص معارضيهم على ما يبدو يؤمنون بمبدأ أجدى هو «الغايب مالوش نايب»، ومن يدري ربما كانوا يتصورون أن بقاءهم في الحكم سيأتي بحقوق شهداء يناير وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبور سعيد والإتحادية، مع أن أي «محامي نص لبة» سيخرج كل القتلة السابقين من أي اتهام جنائي باستخدام فيديوهات مجازر رابعة والحرس الجمهوري والنهضة وطريق النصر التي يتحمل مسئوليتها من افترضنا أنهم سيكونوا رعاة العدالة الإنتقالية في بلادنا.
أتمنى ألا يقوم بعض أصدقائنا الذين شاركوا في السعي لتحقيق حلم إصدار قناة تلفزيونية شعبية والذي أجهضته ترسانة القوانين العقيمة بمحاولة تذكير شريكنا في ذلك الحلم الدكتور مصطفى حجازي بما كان يكتبه من تدوينات نارية ضد محمد مرسي ومسئوليته عن قتل الحسيني وكريستي والجندي، وألا يتخيلوا أنهم يمكن أن يفحموا صديقنا لو سألوه كيف يقبل أن يشارك في تجميل سلطة يتصدرها نفس وزير الداخلية الذي يتحمل مسئولية قتل الشهداء الذين غضب من أجلهم حجازي، وكان يرسل لي ولغيري كلمات إشادة عندما كنا نهاجم مرسي ونطالبه بالرحيل لتحمله مسئولية قتل المصريين وفشله السياسي في حقن دمائهم، فبعد «النمرة» الإستراتيجية المدهشة التي قدمها حجازي في مؤتمره، ربما لو واجهتموه بكلامه السابق لأدهشكم بتخريجاته الإستراتيجية التي ربما تنتهي بكم للمطالبة بمنح سفاح الداخلية محمد ابراهيم نوط الواجب لمجهوداته المتفانية في قتل المصريين.
للأسف حالة مصطفى حجازي ومن معه من «محترمي السلطة الحالية»، تجعلني أنصحك من هنا ورايح إذا وجدت في نفسك ميلا لوصف سياسي أو كاتب أو إعلامي بأنه «محترم ومستقل»، أن تتحفظ وتكون دقيقا فتصفه بأنه «لم يُصبه الدور بعد لأن يكون خداما لقمع السلطة ومبررا لها»، لا أتحدث هنا عن أصحاب المواقف المستقلة التي يمكن أن تختلف معها حتى لو كانت صادمة أو غريبة، فليس لشخص يؤمن بحرية الرأي أن يحجر على رأي، وليس لمن «هرته» المزايدات مثلي أن يزايد على أحد، إنما أتحدث تحديدا عمن يقبل أن يعمل في خدمة سلطة أسالت دماء مصرية مهما كان خلافنا مع أصحابها وقامت بممارسة العقاب الجماعي الغشيم الذي يشمل السلمي والمسلح، وعمن يقوم بالتبرير لهذه السلطة ووضع مواهبه في خدمتها، ربما كنت أقول هذا بقلب جامد لأنني حتى الآن وأرشيفي موجود لمن أراد جعلت الفيصل بيني وبين أي سلطة قيامها بقتل المصريين وعدم حقن دمائهم، ولأنني أيضا والحمد لله رفضت كل فرص العمل في خدمة سلطات مبارك وطنطاوي ومرسي، وهو ما لا يجعلني أبدا أستحق منك وصفي بأني محترم أو مستقل، بل يستحق أن تصفني فقط بأنني «كاتب جاءته الفرصة لأن يصبح خداما للسلطة في 3 عهود ورفض لأن الدور لم يصبه بعد».