العالم غاضب من المجزرة الكبرى، وهناك مصريون يقيمون الأفراح وحفلات الرقص على الدماء التي سالت وما زالت تسيل. حياة البشر ليست رخيصة إلى هذا الحد أيها الشامتون في مواطنيكم. الأجنبي متعاطف، والشقيق مسرور بسفك الدم الذي هو دمه. ليتنا لم نعش هذا الزمن، وليتنا لم نر هذا اليوم أبدًا في مصر. الأحرار وأصحاب الضمائر الحية مصدومون من سفك كل هذه الدماء في لحظة حماقة تاريخية من سلطة غاب عنها العقل وتحكمت فيها غريزة الانتقام البشع، بينما هناك مصريون يطالبون بالمزيد، فلم يشبعوا بعد من دماء ولحوم إخوانهم. ملعون الصراع على سلطة مهما كانت مغرياتها طالما تفجر كل هذه الجبال من الكراهية والأحقاد، وتخرج أحط ما في الإنسان من غرائز بهيمية. يصعب تصديق ما حصل يوم الأربعاء الحزين، حيث كان القتل أرخص ما في الوجود، الجثث تتساقط في تنافس شديد بين القناصة والقتلة لقطف أكبر عدد من الرءوس لينال الأكثر دموية منهم عبارات الثناء من قادته. يصعب تصديق أن هذه هي مصر، كنا نتصور أنه لا يمكن أن تكون يومًا العراق، أو سوريا، أو الصومال، أو أفغانستان، أو أي من بلدان العالم المنكوبة باسترخاص دم الإنسان فيها، لكن مصر ظهرت على حقيقتها، مثلها مثل أي بلد آخر ما زال يعيش في فكر القرون الوسطى، ويحكم بأساليب القسوة والقهر، لا يجب أن نضحك على أنفسنا بعد اليوم ونقول إن شعبها طيب ومسالم، فالشعب الطيب هو القاتل والقتيل، وشرطتها التي تزعم أنها لم تطلق الرصاص طوال تاريخها على المواطنين هي من كانت تحصد المواطنين وتحاربهم كأنهم "العدو". ألوف من القتلى والمصابين في هذا اليوم، وهناك ألوف آخرون سبقوهم من قبل، يشهدون كلهم على أننا لا نختلف عن أي بلد وشعب آخر على وجه الأرض عندما تسود فيه شهوة القتل والفتك والانحطاط البشري. لسنا ملائكة، ولسنا شعب الله المختار، ولسنا البلد الذي هو محور الكون، وليس لنا أي ميزة أو قيمة في ظل حفلات القتل الجماعية والقلوب السوداء التي تعم مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها لغربها. مصر في ذلك اليوم ومنذ دوران دائرة العنف بعد ثورة 25 يناير صارت غابة متوحشة، القوى فيها يفترس الضعيف، والسلطة تفتك بأبنائها، والفاشيات هي عنوانها الدائم. 14 أغسطس هو اليوم الأسود في تاريخ السلطة، وفي تاريخ التحالف المنضوي معها، حيث يكشفان عن وجه مخيف لمصر قمعية تكون الحياة فيها محفوفة بكل أنواع المخاطر خصوصًا لمن يختلف معهم أو لا يتوافق مع آرائهم، وأمامنا البرادعي كبيرهم الذي ينكلون به لأنه قال كلمة حق وغادر مركبهم التي تسبح في برك دماء المصريين. المجزرة مدانة بكل قوة، وأعمال العنف ردًا عليها مدانة أيضًا، وكل عنف هو مدان. لكن إدانة سلوك العنف، والإفراط في استخدام القوة، والعودة إلى القمع البوليسي من جانب السلطة يجب أن يكون مشددًا، حيث يفترض أن تكون هي الأمينة على حياة مواطنيها وأمنهم وأمانهم وحرياتهم وحقوقهم وكرامتهم الإنسانية. لا بد من محاسبة حقيقية وجادة لكل المتورطين في سفك دماء المصريين، وإلا فقل على مصر السلام