فى آخر كل عام تتسابق الصحف والفضائيات بعرض حصاد العام المنصرم.. وقد تفكرت فى عام 2013 الذى ودعنا بعد أن أذاقنا الويلات فوجدت أنه صعب وأشق عام مر على مصر.
تفكرت فى العام كله فلم أجد شيئاً أسعدنى.. فاحترت فى الكتابة عن حصاده.. ماذا أكتب؟.. هل أكتب عن الدماء المعصومة من كل أبناء الشعب المصرى وجيشه وشرطته والإسلاميين والمسيحيين فى كل مكان؟
إننى أشعر أن القلم كاد يغوص فى دماء المصريين وهو يكتب عن العام المنصرم الذى أذل المصريين وأرهقهم وغيب البسمة من وجوههم وبللها بدموع الحزن.
لا أدرى بماذا أسمى عام 2013.. أحياناً أميل إلى تسميته «عام الدماء»؛ فقد تلون بدماء المصريين وقتل فيه آلاف وجرح فيه عشرات الآلاف.. منهم إسلاميون وجيش وشرطة وعوام ومسيحيون.
إنها المتوالية الهندسية للدماء التى تحدث عنها القرآن العظيم «... أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»
وذلك لأنه بدأ متوالية الدم الهندسية 1 2 48 16 32 إلى ما لا نهاية.. وتحدث عنها رسول- الله صلى الله عليه وسلم- حينما حمل ابن آدم الأول «قابيل» مسؤولية بداية هذه المتوالية، وكذلك كل من يبدؤها «ما من قتيل يقتل على وجه الأرض إلا وكان على ابن آدم الأول كفل منه - أى نصيب منه- لأنه أول من سن القتل».
دماء المصريين سالت كالبحور فى الشوارع.. إنها الفتنة التى تحدث عنها الرسول (صلى الله عليه وسلم) «فلا يدرى القاتل فيم قَتَل، ولا المقتول فيم قُتِل» وكل ذلك من أجل كراسى تافهة وسلطة زائلة.
إنه عام الدماء حقاً، وعام الحرب الأهلية التى استخدمت كل شىء فى الصراع السياسى بدءاً من الإشارات ثم الأغانى ثم الشوارع والجامعات.. وكل فريق يريد تحطيم الآخر دون رحمة أو شفقة.. دون أن يدرى الفريقان أنهما يهرسان ويدوسان بينهما المواطن البسيط.. فأحدهما يريد تدمير الجيش والشرطة ولا يدرك أن تدميرهما سيدمر الجميع ويقسم مصر.. والآخر يحاصر كل شىء حتى العمل الخيرى الذى يرعى الفقير واليتيم والأرملة.. وأحدهما يريد منع الامتحانات ويحرق الجامعة دون أن يدرى أنه لن يضر الحكومة بذلك.. ولكنه سيضر الطالب المصرى الفقير.
أحياناً أسمى هذا العام «عام الحرائق»، فقد حرقت فيه كل مقار حزب الحرية والعدالة ومقار الإخوان و63 كنيسة و200 قسم شرطة و50 محكمة و10 محافظات و3 مساجد.
لقد نسى الجميع أن الله قد اختص نفسه وحده بهذا العقاب وجعله فى الآخرة فحسب.. ويؤسفنى أن ثورة 25 يناير هى أول من سنت سنة الحرق فى مصر بحرقها المقر الرئيسى للحزب الوطنى وحرق العشرات من أقسام الشرطة وسط تهليل وتكبير وتصفيق وإشادة الجميع.
أحياناً أسمى عام «2013» عام التكفير والتفجير.. عشرات السيارات الملغومة والألغام الأرضية ينفجر أكثرها فى الجيش المصرى.. لم يقل أحد فى تاريخ مصر كله شيئاً يسوء جيش مصر.. ولكن الآن تنطلق الفتاوى بتكفيره ويهلل البعض بتفجيره مع الشرطة.
لقد كان المصريون عباقرة فى 5 يونيو 1967 حينما وقفوا خلف جيشهم فى محنته وساندوه حتى عبر بمصر الهزيمة بهتاف الله أكبر.
كم أنت قاس وعنيف يا عام 2013.. آسف فالمشكلة ليست فى العام ولكنها فى كل الذين أراقوا الدماء بغير حق وحرقوا البلاد من أجل سلطة زائلة تافهة ترفّع عنها الحسن بن على وعمر بن عبدالعزيز وسوار الذهب ومانديلا وغيرهم.. فصانوا أنفسهم وبلادهم وأصبحوا حمامة للسلام فى قومهم.