انفلات الأعصاب والانجرار إلى المواجهة العنيفة لن يجدى، وحالة رابعة إذا ما ما لم تُواجه بالحكمة اللازمة فإن ثمة احتمالا قائما أن تتشظى إلى بضعة حالات متشابهة من اعتصامات محدودة العدد فى أماكن متفرقة من أنحاء القاهرة ستزيد الوضع تفاقما.
والحق أن قيادات الجماعة محصورة بين خيارين لا ثالث لهما، إما تفهم طبيعة ما حدث فى الثلاثين من يونيو كنتيجة طبيعية لتضخم كرة ثلج الأخطاء الفادحة التى وقعوا فيها على مدى عام كامل، ومن ثم التفكير فى تقليل حجم الخسائر والتحلى بأكبر قدر من المرونة للاندماج مجددا فى العملية السياسية.. وهذا تحديدا يمثل الفلسفة التى يتبناها حزب النور فى مبادراته أو لقاءاته التفاوضية.. إنما يُعكر عليه الشحن العاطفى المتزايد للمعتصمين برابعة وكيف سيسوغ لهم خيار فض الاعتصام والقبول بمفاوضات تنتهى بالموافقة الضمنية على خارطة الطريق بعد أن تسبب الخطاب الحماسى فى رفع سقف طموحاتهم إلى حد تجاوز المتاح فعليا.
أمَّا الخيار الآخر فيتبنى التركيز على التأريخ الداخلى للجماعة وللتيار الإسلامى بصفة عامة، وأدبيات ستكتب عن هذه المرحلة وتسعى لتوصيفها بدقة، وهذا الخيار يميل إلى «كربلائية» المشهد، بمعنى الوصول إلى طريق مسدود لاتفاوض فيه وتعجل مواجهة محكوم عليها سلفا بالفشل يسقط فيها من يسقط من الضحايا وينتهى معها المسار الديمقراطى بفرض حالة طوارئ وإحكام القبضة العسكرية على مقاليد الأمور السياسية مدعومة بتأييد شعبى، كل هذا فقط للتغطية على الفشل الإدارى والسياسى بالمظلومية التاريخية وتبرير السقوط بالاضطهاد واستدعاء ذكريات التاريخ للقياس عليها.. ويُعكر على هذا الخيار أن نسبة لا يُستهان بها من التيارات السياسية على اختلاف أطيافها بل والإسلامى فى القلب منها لا تزال مصممة على المضى قدما فى العملية السياسية المستقبلية وتحقيق ما تعرقل تنفيذه من أهداف ثورة يناير بعد عامين من اندلاعها.
وطالما أن الحكومة المؤقتة قد تسرعت وحكمت على كل جهود الوساطة الخارجية بالفشل، فلنعطِ أنفسنا إذن فرصة ثانية من جولات التفاوض الداخلية مباشرة كانت أو غير مباشرة قبل اللجوء إلى خيار المواجهة المحفوف بالمخاطر.
ولكى تنجح جولة التفاوض الأولى التى تهدف ابتداء إلى جمع كل الأطراف على مائدة حوار واحدة لابد من الأخذ فى الاعتبار أن ثمة أوراقا تفاوضية يجب التلويح بها لتسهل المهمة، كالحديث عن إطلاق سراح القيادات المعتقلة وهنا لابد من إعادة النظر فى استمرار احتجاز قيادات إخوانية تملك مفاتيح الحلول وتستطيع دون غيرها من قيادات وسطى وصغرى أن تتخذ قرارا استراتيجيا وتاريخيا يتوقف عليه مصير الجماعة بأسرها، ترتيبات تسوية وضع د.مرسى بصورة لائقة تحفظ ماء الوجه، ثم والأكثر أهمية بالنسبة لجماعة الإخوان الحديث عن ضمانات كافية بشأن حيدة ونزاهة الانتخابات المقبلة، وهو مطلب واقعى كنا نصر عليه إبان عهد الإخوان أنفسهم.