بابتسامة صفراء استقبل أمس السبت 27 يوليو 2013 الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى محبسه بسجن طرة الرئيس المعزول محمد مرسى، وقال له بنبرة لا تخلو من شماتة: (حمدًا لله على السلامة.. كنت أتوقع حضورك ولكن ليس بهذه السرعة).
تلقى الدكتور مرسى عبارة مبارك بامتعاض لم يشأ مداراته، وتأمل المكان الجديد الذى حشر فيه، فاعترته غصة زلزلت كيانه بعد أن فقد العرش الذى كان. قرر ألا يرد على الرئيس الأسبق، لكن حين لاحت منه التفاتة إلى وجه مبارك قذف فى قلبه الرعب وهمس باطنه: (يا نهار أسود.. إلى هذه الدرجة يدمر السجن ملامح الإنسان). لقد بدا له وجه الرئيس المخلوع متهالكاً.. باهتاً.. متغضناً.. محرومًا من ماء الحياة، هرع نحو باب الغرفة وطرقه بعنف وصاح طالبًا الخروج من هذا المكان، بعد ثوان فتح الباب وقال الحارس بأدب: (معذرة يا دكتور مرسى.. هذه هى الغرفة الخاصة بالرؤساء المخلوعين فقط، وليس عندنا غرف أخرى حاليًا)، ثم أغلق الباب بالمفتاح، فدمر صريره ما بقى من مناعة نفسية لدى السجين الجديد!
انهار مرسى وجلس على حافة سريره الخاص منكسًا رأسه، فعاينه مبارك بنظرة غامضة وقال بسخرية: (ألم يكن من الأفضل لك أن تكون مسجوناً سياسيًا فى عهدى، بدلاً من أن تصبح رئيسًا مخلوعًا متهمًا بالتخابر والهروب من السجن وقتل الأبرياء؟). استشاط مرسى غضبًا وهبّ واقفاً، وصاح وهو يرفع إصبعه فى وجه محدثه: (لم أتخابر مع أحد.. وعهدك كله موسوم بالفساد والاستبداد والتعذيب والاعتقالات وإفقار الملايين من المصريين). لم يفقد مبارك بروده التاريخى، ولم يتعصب، فلطالما سمع بأذنيه هتافات الملايين تلعنه وتسخر منه وتهتف بسقوطه طوال 18 يومًا فى ميدان التحرير، ومع ذلك لم يتأثر، حاول أن يغادر سريره، فلم تعسفه قواه، تناول شربة ماء، قبل أن يتفرس فى وجه مرسى ويهتف قائلاً: (سأتفق معك بأن الفساد استشرى فى عهدى بصورة مخيفة، لكننى لم أدمّر مؤسسات الدولة، ولم أفرط فى حدود الوطن مثلما كنت تفعل أنت).
لوى محمد مرسى شفته السفلى من باب الاستخفاف، وقال بعد أن سكت عنه الغضب: (أخى الأكبر مبارك.. صحيح أنك لم تدمر مؤسسات الدولة، لكنك كنت تخطط لتوريث الدولة لابنك جمال، وكأن مصر باتت عزبة لك، وما قمنا ضدك بثورة إلا بسبب ذلك )، قهقه مبارك لأول مرة منذ أزاحه الشعب عن عرين الرئاسة فى 11 فبراير 2011، ورمق زميله الجديد فى السجن بنظرة تعجب وهمس بصوت متحشرج: (أنتم قمتم بثورة.. والله الكذب فى دمائكم.. يا رجل يا طيب.. الشباب هم الذين أشعلوا الثورة ضدى، وأنتم رفضتم المشاركة فى البداية نظرًا للعلاقات التى تربطكم أنتم والسلفيين بأمن الدولة كما كان يقول لى وزير داخليتى حبيب العادلى، لكن حين تجرأ الناس وخرجوا بالملايين مطالبين بسقوطى ركبتم الموجة مع أصدقائكم السلفيين، والآن يا أخ مرسى تزعم أنكم قمتم بالثورة.. كفاكم كذبًا من فضلكم ).
أنصت مرسى باهتمام، ثم رشق فى وجه مبارك نظرة غل، وهمّ بالتعليق على ما قال، لكن مبارك تابع حديثه بحدة أكثر: (سامح الله الرئيس السادات الذى أخرجكم من السجون، وأطلقكم فى البلد تخربون عقول الشباب وتستغلون البسطاء وتحشرون أفكاركم الخبيثة فى أدمغتهم.. هذه الأفكار المتخلفة التى تكفر بالأوطان وتدعى أنها ستحيى الخلافة الإسلامية..ألم تجمع حولك قتلة السادات ومشايخ التخلف أصحاب الجلابيب القصيرة واللحى المخيفة وكأن مصر عادت ألف عام إلى الخلف؟ ألم يقل مرشدكم السابق للصحفى سعيد شعيب طز فى مصر؟). لم يتمالك محمد مرسى أعصابه، ونهض حتى جلس بجوار مبارك وصاح منددًا: (وأنت ماذا فعلت لمصر؟ لقد ازدادت الأمية فى عهدك وتفشت الأمراض وجاء وزراؤك بالأطعمة والأسمدة المسرطنة، وتدنى التعليم وصار القبح عنواناً لعهدك البائس، وازداد الأغنياء غنى وجعلتنا دولة خانعة وخاضعة لأمريكا وإسرائيل ). للمرة الثانية فى أقل من ربع ساعة يقهقه مبارك حتى تنتابه نوبة سعال، فيطفئها بتناول القليل من الماء، ثم يضطجع قليلاً ويهز رأسه قائلاً: (أضحكتنى يا أخ مرسى.. الأغنياء ازدادوا غنى فى عهدى.. معك حق، لكن من ضمن هؤلاء الأغنياء قادة الإخوان أصدقاؤك وزملاؤك.. الشاطر ومالك والحداد وغيرهم، فهم من قبيلة المليارديرات كما جاء فى التقارير التى كانت تقدم لى بشكل شبه يومى، أما حكاية أمريكا وإسرائيل فأنت أدرى منى بها، ألم تتعهدوا للأمريكان بفعل أى شيء لتصلوا إلى السلطة؟ ألم تقطع حضرتك علاقة مصر بسوريا وهذه مصيبة إرضاء للأمريكان؟ ألم تأمروا رجالكم فى حماس بألا يعتدوا على إسرائيل فاستجابوا فى الحال؟ ألم تتآمروا على سيناء وقررتم منح جزء منها للفلسطينيين لإرضاء إسرائيل والتخفيف عنها؟ وكأن مصر صارت عزبة الإخوان؟). ثم بلهجة تهكم مقصودة سأله مبارك: (سمعت أن عدد الذين خرجوا اول أمس تلبية لدعوة السيسى فى مواجهة الإرهاب بلغ 35 مليون إنساناً.. أى أكثر من الذين خرجوا مطالبين برحيلك فى 30 يونيو الفائت.. وأكثر من الذين خرجوا مطالبين بسقوطى فى 11 فبراير 2011... هل هذه الأرقام صحيحة يا أخ مرسي؟).
أنقذه رفع آذان الظهر من الإجابة، فنهض مرسى بحماسة وطرق الباب، فلما جاء الحارس سأله بهمس: (هل توجد كاميرات هنا فى الغرفة لتصورنى وأنا أصلى ليعرف أهلى وعشيرتى فى رابعة والنهضة أننى رغم المحنة لم أنس الله جل جلاله لحظة؟). ابتسم مبارك بطرف خفى وهو يعاين لهفة محمد مرسى على التصوير والكاميرات، وقبل أن ينصرف الحارس استدعاه مبارك، فلما دنا منه، تحامل الرئيس المُسن على نفسه، ووقف بصعوبة وقال له بصوت خفيض حتى لا يسمعه السجين الجديد: (من فضلك.. استدعى الحلاق ليصبغ لى شعري)، لكن مرسى مال برأسه قليلاً ليتنصت على الهمس الدائر، فلما سمع ما قاله مبارك عقب سريعًا بروح مستبشرة وهو يعبث بلحيته: (وأنا أيضا أريد الحلاق ليشذب لى لحيتى)!