كما هي العادة.. قامت الدنيا ولم تقعد عقب دعوة الفريق عبدالفتاح السيسي لجموع المصريين النزول إلى الميادين يوم الجمعة القادم وتفويض الجيش المصري لبدء تطهير البلاد من براثن الإرهاب الذي أزهق حتى الآن أرواح العشرات من أبناء مصر في سيناء
وعلى الفور انطلقت ماكينة التشويه الإخوانية لتصوير دعوة السيسي على أنها دعوة لحرب أهلية واقتتال شعبي على الرغم من أن كلمات السيسي لم تشر على الإطلاق لمثل هذا الادعاء.
قبل أن أبدأ في قراءة بسيطة لمحتوى دعوة الفريق السيسي يجب أن أقول لكل من صور الأمر على أنه دعوة لحرب أهلية: "أن تلوم الفريق السيسي وتفسر دعوته على أنها بداية حرب أهلية، أسهل لك طبعاً من البحث عن السبب الحقيقي الذي أوصلنا إلى هذا الحد فهذا خيارك، وأنت حر".
ولنعود لقراءة دعوة الفريق السيسي قراءة متأنية في نقاط:
بداية دعوة الفريق السيسي لم تشر من قريب أو بعيد إلى تحفيز الناس للاقتتال الأهلي، وإنما دعى المصريين أن يخرجوا في تظاهرات سلمية للتعبير عن دعمهم للجيش المصري والشرطة في العمليات التي ستبدأ لتطهير مصر من الإرهاب.
الفريق السيسي في خطابه لم يحدد فصيلًا معينًا عندما تحدث عن الحرب على الإرهاب والعنف، وهذا يعنى أن الأمر يشمل كافة الفصائل التي تدعو للعنف وتمارس الإرهاب سواء كان جماعة الإخوان وأنصارهم، أو معارضي الرئيس المعزول محمد مرسي، ولم يختص فصيل بعينه أو وصفه بالإرهاب، إذا فالأمر يشمل الطرفين، لكن "اللي على راسه بطحة بيحسس عليها".
ولكن لماذا يدعى السيسي المصريين إلى الاحتشاد في الميادين لتأييد العمليات العسكرية ضد الإرهاب؟، سؤال من المؤكد أنه قد تبادر إلى ذهنك عقب الاستماع لدعوة السيسي، وللإجابة على هذا السؤال علينا أولًا أن نراجع تحركات مؤيدي الرئيس المعزول، الذين يسعون بشتى الطرق لتقليب الرأي العام الدولي وتصوير أن الغضبة الشعبية يوم 30 يونيو على أنها انقلاب عسكري، أنهم يتعرضون لأعتى أنواع الظلم والتهميش رغم أنهم الأغلبية -في ظنهم-، فضلًا عن أنهم طالبوا بتدخل القوى الدولية في مصر لإعادتهم إلى الحكم.
أضف إلى ذلك أن قرار قيام الجيش بعمليات عسكرية سواء في الداخل أو الخارج لمواجهة الإرهاب وللحفاظ على الأمن القومي يجب ان يكون بتكليف وموافقة مجلس الشعب المنتخب والمفوض من الشعب، وهو الآن غير موجود فتأتي مطالبة الفريق السيسي للشعب المصري بالنزول لتأييد الجيش وتفويضه في تلك العمليات بمثابة الرجوع إلى أصحاب الحق الأصلي في الموافقة وهو الشعب، وهذا الأمر ليس بدعًا من الفعل، ففي الولايات المتحدة مثل هذه القرارات تتخذ عن طريق الكونجرس المنتخب من الشعب الأمريكي ويجب أن يكون هناك clearance أو تصريح لتدخل الجيش لمكافحة الارهاب يتم التصويت عليه.
كل هذه العوامل السيسي أجبرت السيسي على الدعوة للاحتشاد والتفويض، حتى لا يأتي من يصطادون في الماء العكر ويقولون أن ما فعله السيسي قرارًا فردي، وليؤكد للرأي العام الدولي أن ما سيقوم به هو بناء على إرادة شعبية كاملة وبتفويض من الشعب المصري الذي يرفض الإرهاب من أي فصيل كان، وبذلك يخرس الألسنة في الداخل والخارج.
كما أن دعوة السيسي لجموع الشعب المصري الاحتشاد في الميادين الجمعة المقبلة وتفويضه بالتعامل مع العنف هي دعوة محصنة بالمواد من 84 إلى 112 من قانون العقوبات أي بنحو 28 مادة، والتي تتيح للقوات المسلحة وجهاز الشرطة اتخاذ كل الإجراءات التي تؤمن مصر داخلياً وخارجياً، ضد كل شيء يهدد أمنها القومي.
أرى أن عدم تحديد السيسي ماذا يعني بكلمة "إرهاب"، وعلى من تنطبق قد سبب حالة من القلق الشديد في صفوف أنصار الرئيس المعزول مرسي.
شخصيًا أتفق تمامًا مع القول بأن القرار الآن أصبح في يد شباب جماعة الإخوان، والذين عليهم دور مهم في تحييد مكتب الإرشاد القطبي الذي سيطر على الجماعة وجرها الى ما وصلت إليه، لأنه لا سبيل الآن إلا الحوار والاتفاق للخروج من الأزمة التي أدخلوا البلاد فيها.
وفي الختام .. أنا أعلم أن عمليات الجيش لن تمر دون سفك دماء .. والداعي إلى النزول لتفويض الجيش هو شريك في دم الإرهابيين الذي سيسيل حتمًا، والساكت القاعد هو شريك أساسي في دماء أبرياء سالت وستسيل على يد الإرهابيون.
فانظر أيَ دمٍ تُسِيل .. وأي َّدمٍ تحفظ !!!