حدث أن كنا في الصين في سبتمبر 2006 ضمن وفد المجلس المصري للشئون الخارجية, رأسه السفير عبد الرءوف الريدي, واطلعنا ـ قبل الزيارة وفي أثنائها ـ علي أسباب تعويق تطوير علاقتنا مع الصين, التي كانت تؤكد مرارا اهتمامها بتوسيع آفاق علاقتها الاستراتيجية بمصر.
وكان النموذج الذي أحطنا علما به, مشروع إقامة مجمع صناعي تكنولوجي متكامل في منطقة بشمال غرب خليج السويس, يكون موقعا لإنتاج مشترك تكتسب منه مصر خبرات تكنولوجية متقدمة, ويسهم في حل جانب من مشكلة البطالة, ويكون منفذا لتصدير التكنولوجيا المتقدمة, إلي إفريقيا, والعالم العربي, وأوروبا, ويعود علينا بحصيلة من النقد الأجنبي.
وكان من أهم أسباب تعويض المشروع أن الأرض التي سيقام عليها قد بيعت إلي مجموعة من رجال أعمال الحزب الوطني, بسعر خمسة جنيهات للمتر, وعرضت الحكومة, التي كان رئيسها قد وقع اتفاق إنشائها مع رئيس وزراء الصين ـ علي رجال الأعمال شراء الأرض منهم بسعر مضاعف, لكنهم رفضوا, وتوقف المشروع.
وهذا النموذج هو مجرد جانب من الإطار الأشمل للعلاقة مع الصين, التي تأخرت حركتنا فيها, عن تيار عالمي حمل مسمي التوجه شرقا, وهو الذي بدأت السير فيه دول العالم, بما فيها أمريكا وأوروبا, ودول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا, بعد القفزات الهائلة في التنمية الاقتصادية للصين, التي دفعت بها إلي المرتبة الثانية, في القوة الاقتصادية العالمية بعد أمريكا, وتوقعات بأن تتساوي في القوة مع أمريكا خلال51 عاما, وما سيترتب علي ذلك من إعادة تشكيل العلاقات الدولية, وأوضاع القوي المؤثرة فيها بشكل مختلف, وهو ما عبر عنه هنري كيسنجر بقوله: ان ميزان التأثير علي السياسات العالمية سينتقل من الغرب إلي آسيا.
كما اتفقت معظم مراكز الدراسات الاسترايتجية في العالم علي أن العالم علي أبواب الانتقال إلي القرن الآسيوي, وقرب غروب شمس القرن الأمريكي.
هذه الأهمية المتزايدة للصين, تدفعنا لتآمل المبادئ التي تحكم السياسة الخارجية الصينية, فهناك ارتباط وثيق بين ما يجري في الداخل وما يدور في الخارج, ذلك أن الصين لديها استراتيجية أمن قومي, تقوم بمباشرتها سياستها الخارجية, ولها3 أهداف هي:
1 ـ تنمية اقتصادية, مصحوبة بأبحاث علمية وتكنولوجية, تدفع بالقدرة الاقتصادية إلي ميدان التنافس العالمي.
2 ـ توافر المواد الاستراتيجية كالطاقة والمواد الخام, وتأمين وجود للصين في مناطق هذه الموارد.
3 ـ ضمان وجود أسواق في العالم لانتاجها, تستوعب صادراتها, وتضمن استمرار التنمية بنفس معدلها بمتوسط 10%.
ومن ثم تحرص الصين علي تعزيز علاقاتها السياسية والدبلوماسية في مناطق العالم, ومع دولها المحورية, يرتبط بذلك أن تكون الدولة التي تدخل معها الصين في تعاون اقتصادي, لديها أهداف واضحة لما تريده من الصين, ولهذا, فنحن من جانبنا, ينبغي أن نحدد هدفنا من العلاقة معهم, وأن ندير عملية الوصول للهدف, بصيغة تجعلنا نقترب من الصيغة التي وضعوها لأنفسهم, أي وضوح لهدفنا في عيونهم.
.. هنا من المهم أن يرسم الجانب المصري خريطة للمجالات التي يريد الاستفادة فيها من خبرة وامكانات الصين, والتركيز علي استغلال الموارد غير المستغلة, وأبرز مثال لها موارد سيناء ـ بالإضافة إلي مختلف المواقع التي تحوي موارد معطلة أو مهدرة, من مساحات مصر الشاسعة, وبحيراتها, وسواحلها, خاصة لصحراء التي تمثل 96% من المساحة الكلية للبلاد, ولا شك أن الآفاق المتاحة الآن للتعاون مع الصين, تدعونا للاستفادة من تجارب وامكانات الصين في تحويل الصحراء إلي مواقع انتاج وعمران.
هناك الكثير مما يمكن أن تسهم به الصين, وما تحتاجه مصر, والأكثر أهمية من التجارة والسياحة ـ رغم أهميتها التي لا نهون منها ـ لكن الأمر يدعو إلي إطلاق الخيال نحو آفاق نبدع ونبتكر فيها, لتجديد ثروات وموارد مصر, التي لم يكن, ولم يعد تصلح لها الأفكار التقليدية, في السياسة, والاقتصاد, والتنمية, فالعالم يسبقنا الآن في مجالات صناعة التقدم بأفكار متطورة, هي نتاج عصر ثورة المعلومات.