ثمة تساؤلات عديدة تشغل الرأي العام المصري بعد عزل الرئيس مرسي إثر عام من حكم جماعة الإخوان، لعل أبرزها ما هو مصير تلك الجماعة ، لاسيما مع وجود مؤشرات على اتجاهها للعنف، بما قد يؤثر فى مستقبل تيارات الإسلام السياسي، وما مدى احتمالية إعادة إدماج الجماعة، حال تخلي قياداتها عن الموقف الرافض للموجة الثورية المدعومة من الجيش في 30 يونيو؟، وهل تستطيع تيارات الإسلام السياسي إعادة فاعليتها مرة أخرى في المجتمع، أم أن
عليها النظر في إعادة بنائها وخطابها السياسي والأيديولوجي تجاه المجتمع؟.
المساران المحتملان للإسلام السياسي
قد لا يعني عزل الرئيس محمد مرسي، وخروج جماعة الإخوان المسلمين من حكم مصر انتهاء لظاهرة الإسلام السياسي، التي تنوعت مصادرها بين تيارات إسلامية مختلفة، سواء كانت سلفية متمثلة في ذراعيها السياسيتين، حزبي النور والوطن، أو الجماعة الإسلامية، متمثلة في ذراعها السياسية حزب البناء والتنمية، أو جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت أخيرا من السلطة. فمن المتوقع، وفقا لقراءة المشهد المصري بعد 30 يونيو، أن تتخذ ظاهرة الإسلام السياسي أيا من المسارين التاليين:
المسار الأول: المشاركة المحدودة ، وتعني أن ظاهرة الإسلام السياسي ستظل قائمة، ما دامت العوامل المنتجة لها باقية. فالقوة التنظيمية، والدعم المادي والمعنوي للتيار السلفي، بسبب موقفه العام من نتائج استكمال ثورة 25 يناير في 30 يونيو، ومبادراته في عدم التحريض على العنف، وقبوله لتعديل مسار الثورة، قد تؤدي إلي استمرار وجود أحزاب للتيارات الإسلامية متوافقة مع المرحلة الجديدة، حتى ولو اقتصرت على المشاركة البرلمانية المحدودة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بغض النظر عن توجهات ومواقف الجماهير من تيارات الإسلام السياسي، بسبب العنف الذي ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين في الشارع المصري بعد عزل رئيسها، الأمر الذي يعني أن مشهد الإسلام السياسي في مصر مكتمل بدون الإخوان، حتى لو رفضوا المشاركة السياسية.
المسار الثاني: الانحسار النسبي، وهو يتعلق بحدوث تراجع نسبي لظاهرة الإسلام السياسي لفترة زمنية طويلة ما بين 5 و10 سنوات، على غرار ما حدث للتيارات الإسلامية في الجزائر. بيد أن تفادي هذا المسار يتوقف على سرعة إدراك جماعة الإخوان المسلمين لأخطائها، ونبذها للعنف، والتحاور مع الشارع السياسي ، إذ إن استمرار خطاب الإخوان في دفع المشهد للعنف ينعكس سلبا على موقف الشارع المصري من كافة جماعات الإسلام السياسي، حتى التي شاركت في تفاصيل وبنود المرحلة الانتقالية الجارية بعد 30 يونيو، خاصة حزب النور .
انعكاسات إدارة الإٍسلام السياسي لمأزق 30 يونيو
إن تحديد أي من المسارين المحتملين(المشاركة المحدودة، أو الانحسار النسبي) قابلا للتحقق على أرض الواقع، يتوقف على مدى إدراك جماعة الإخوان المسلمين لأزمتها بعد عزل الرئيس مرسي. وهنا، يمكن الإشارة إلى عدة سيناريوهات ترتبط بسلوك جماعة الإخوان المسلمين تجاه مكونات الدولة المصرية.
السيناريو الأول: هو الصراع المسلح، ويعني أن جماعة الإخوان المسلمين قد تهجر العمل بالسياسة، وتلجأ للعنف المسلح، كخيار لتأكيد شرعية بقاء الرئيس محمد مرسي، وهذا السيناريو يعتمد في حقيقته على أسلوب المواجهة المباشرة مع السلطة الجديدة، بقيادة الرئيس المؤقت عدلي منصور، بالإضافة إلى رفع السلاح في وجه المصريين المؤيدين لـ30 يونيو.
وفي حال حدوث هذا السيناريو، قد تخسر جماعة الإخوان المسلمين ما قامت ببنائه خلال أكثر من 80 عاما، بل قد يؤدي سلوكها هذا إلى انتهاء مشروع الإسلام السياسي بكافة مكوناته. ويدعم هذا السيناريو معسكر الصقور في الإخوان المسلمين، الذين يرون أن شرعية مرسي " معركة نصر أو شهادة" ، ولذا رفضوا الاستجابة لمطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة ، كما ضغطوا على الرئيس السابق مرسي لرفض مهلة الجيش. مثل هذا السيناريو قد يكون متقاربا مع السيناريو الجزائري، الذي نتج عنه أكثر من 100 ألف قتيل، وانتهى إلى بقاء الدولة الجزائرية ، بينما خرجت التيارات الإسلامية من ملعب السياسة، وبقيت حركات محدودة معتدلة التوجه، ولكن تأثيرها محدود.
السيناريو الثاني: التراجع عن العنف المؤقت، ويشير إلى سرعة تراجع الأطراف الداعمة للعنف، سواء من بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين، أو من التيار السلفي الجهادي في سيناء. وفي هذا السيناريو، يدرك بسرعة القائمون بالعنف أن استمرارهم في ممارسته يهدد بقاء المشروع الإسلامي كله، وبالتالي يعلنون أن العودة للحوار السياسي ضرورة ومصلحة دينية في الوقت ذاته. وقد يكون الداعمون لهذا السيناريو هم البراجماتيين الإصلاحيين داخل جماعة الإخوان المسلمين، والذين طالبوا مرسي بعدم العناد مع المطلب الشعبي بانتخابات رئاسية مبكرة ، وعدم اللجوء إلى العنف تطبيقا لمقولة حسن البنا ( إن من يستخدمون السلاح ليسو بإخوان، وليسوا بمسلمين).
ومن المتوقع، إذا تم انتهاج هذا السيناريو، أن يتم تطبيقه سريعا، خاصة في ظل مبدأ السمع والطاعة في الجماعة، علاوة على أن هذا السيناريو قد يلقى دعما من قيادات إسلامية في الخارج مثل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، والذي حث على التصالح، حتى لا تضيع الفرصة.
السيناريو الثالث: إعادة تجربة " أربكان- أردوغان" ، وهي التي استطاع فيها رجب طيب أردوغان أن يتجاوز مأزق دخول أربكان للسجن ليعيد بناء الحركة الإسلامية في تركيا مرة، ويصل لسدة السلطة في تركيا.
ويستلزم هذا السيناريو سرعة تجاوز الإخوان الإحساس بالهزيمة، وتغليب المنطق على العاطفة. ومثل هذا السيناريو يتطلب تحقيقه المراجعة الداخلية السريعة للإخوان، أي أن الجماعة تقوم على الفور بتنقيح واستبدال قيادات جديدة شبابية منفتحة على العصر بقياداتها السابقة ، مع فتح مسار جديد داخل الجماعة يتضمن التوجه للدعوة أولا، وأن يكون جزء منه سياسيا.
استراتيجيات دمج الإسلام السياسي والمصالحة الوطنية:
وهنا، يجب أن يدرك الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، والفريق المحيط به ضرورة إيجاد مخرج تفاوضي للمأزق الحالي مع جماعة الإخوان التي لا تزال ترى ما حدث في 2 يوليو بمثابة انقلاب عسكري ، وتتمسك بعودة مرسي، ولو باللجوء للشهادة.
يتطلب تجاوز هذا المأزق من القائمين على السلطة بعد 30 يونيو الدفع بوساطة سياسية، خاصة من القيادات الدينية لحزب النور والدعوة السلفية التي شاركت في صياغة خريطة الطريق الجديدة لاقناع الإخوان بالتخلي عن المسار العنيف الذي لاح في مرحلة ما بعد 30 يونيو ، لاسيما أن هناك فتوى من الدكتور ياسر برهامي، أبرز شيوخ الدعوة السلفية، بأن "الشرع لا يمنع الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة حقنا للدماء، فالشريعة جاءت لدرء المفاسد وتقليلها".
ومن هنا، لابد أن نشير إلى أن استراتيجية دمج جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات المناصرة لموقفها من جماعات الإسلام السياسي، في حال تركهم للعنف، تتطلب من السلطة المؤقتة في البلاد تحقيق عدة متطلبات، منها:
- عدم إقصاء أي أحد من جماعات الإسلام السياسي من المشهد السياسي الراهن، مع إجراء حوار سياسي شامل بمجرد توقف العنف من قبل جماعة الإخوان المسلمين.
- الدفع بجماعات الإسلام السياسي لتكون معارضة سياسية قوية، بدلا من أن تتحول لميليشيات في الشوارع، وتتمركز في الميادين ضد الجيش، والشرطة، والمواطنين العزل.
- عدم مواجهة السلطة الحالية لقيادات الإخوان بالاعتقالات والحبس إلا بالقانون، ووفقا لما تراه النيابة العامة.
- ضرورة تعديل الخطاب السياسي من قبل الأحزاب المدنية تجاه جماعات الإسلام السياسي.
- ضرورة توعية شباب جماعات الإسلام السياسي المندفعة نحو العنف من الفتاوى الضارة التي تدفع مصر للاقتتال الداخلي، والتي يطلقها التيار السلفي الجهادي بعد 30 يونيو.
- تأكيد فكرة عدم مصادرة مصالح رجال الأعمال الإخوان من قبل السلطة المصرية الجديدة لحدوث تحول في فكر العنف المرتبط بالحدث.
- ضرورة عدم كبح السلطة المؤقتة في مصر للحريات الإعلامية، وكذلك عدم مصادرة الصحف التي تتبع الأحزاب الدينية، مع الحرص على سرعة عودة بث القنوات الدينية، وفقا للقانون.
- أن تقوم الجماعة الإسلامية، بالتعاون وبمشاركة السلطة المؤقتة، بتطوير مبادرتها التي احتوت على نبذ العنف، والحرص على متابعة تطبيقها على أرض الواقع، والتي ربما ينقذ تنفيذها جماعة الإخوان المسلمين من "الانتحار السياسي".
- تفعيل مبادرة الدعوة السلفية وحزب النور، والتي طالبت أبناء الحركة الإسلامية جميعا بأن يقدروا الموقف حق قدره، ويعرفوا حقيقة ما جرى من تغيير الوضع السياسي ، وألا يلقوا بأيديهم ودعوتهم إلى التهلكة، وأن ينصرفوا من الميادين إلى مساجدهم وبيوتهم.
ورغم أن تحقيق هذه المتطلبات قد يؤدي إلى سرعة انتهاء الأزمة، وتحقيق استراتيجية الدمج، واتباع سياسة الوئام المدني، فإن ثمة تحديات أمام استراتيجية المصالحة، من أبرزها مدى قدرة السلطة المؤقتة على التعامل مع مأزق العنف بعد 30 يونيو، علاوة على نيل أكبر مساحة من تأييد تيارات إسلام السياسي، والقدرة على إقناعها بالمصالحة الوطنية.