حسنًا فعلت القوات المسلحة، حين أعلنت أنها، لن تسمح بإهانة التيار الإسلامي، وتأكيدها أنه جزء من التيار الوطني، وسيكون شريكًا في صوغ مستقبل مصر السياسي. وما قاله المتحدث باسم الجيش، ليس "مجاملة" أو "تزلفًا"، لأنهم أولًا لا يحتاجون إلى من يمنحهم "شهادة المواطنة".. وثانيًا إنها حقيقة مستقرة لا يمكن إغفالها، وأية ترتيبات لاحقة، لا تأخذ في الاعتبار القوى الوطنية الإسلامية، سيكون مآلها الفشل لا محالة. والكلام الذي صدر من الجيش بشأن الإسلاميين، جاء من قبيل مسؤولية المؤسسة العسكرية، إزاء حماية جميع المواطنين، بغض النظر، عن ميولهم الأيديولوجية، وكرسالة "طمْأنة" للتيار الإسلامي، بعد أن عاش قرابة عام، في أسر "الفزّاعة" الإخوانية التي كانت تخوفه، بأن غياب الجماعة عن السلطة، يعني عودتهم إلى السجون مرة أخرى. طوال مساء أمس الأول 3/7/2013 وحتى قبيل الفجر، لم تنقطع الاتصالات بي، من رموز وشباب إسلامي، غضبوا غضبًا نبيلًا، من خروج الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم، غير أن القاسم المشترك، بين كل من كلموني، كان الفزع والخوف من مطاردات أمنية محتملة لهم، وإيداعهم السجون، عقابًا على تأييدهم للإخوان. والحال أن شباب الجماعة نفسه يحتاج إلى رسائل "طمأنة" بأنه لن يسدد فاتورة خروج الإخوان من السلطة، من حريتهم وأمنهم وأمن أولادهم وذويهم. وإذا كانت المؤسسة العسكرية، قد تعهدت بأنها لن تسمح بإهانة التيار الإسلامي، وأكدت أنه جزء من النسيج الوطني، وشريك أساسي في صنع المستقبل، فإن على النخبة المدنية التي تبنت خطابًا عدائيًا، ضد الجماعة ورئيسها وشبابها طوال السنوات الماضية، معنية الآن، بأن تبرق رسائل الود والتواصل مع شباب الجماعة ومع قياداتها غير المتورطة في أي وقائع فساد مالي أو سياسي أو إداري أو التحريض على العنف أو الإساءة إلى المؤسسات الوطنية بالدولة. لقد لفت انتباهي لغة الود اتجاه شباب الإخوان، التي أظهرتها يوم أمس مذيعة على إحدى الفضائيات الخاصة، وهي تعيد وتكرر بأنهم "إخوان" لها.. وأنها تعرف أنهم وطنيون، وتمد يدها إليهم للمصالحة، والعودة للعمل معًا، تحت مظلة الجماعة الوطنية. إن من بين الأسباب التي حملت الجيش على مساندة الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق محمد مرسي، هو إنجاز مشروع "المصالحة الوطنية".. إذ تعتبر تلك المصالحة جزءًا من الأمن القومي المصري، وجزءًا أساسيًا من تأمين الجبهة الداخلية، وتمتين الظهير الشعبي للجيش، إذ لا يمكن بحال لأي جيش في العالم إنجاز مهمته القتالية على الحدود ـ مثلًا ـ وظهيره الجغرافي هش ومفكك ومنقسم تحكمه الفوضى والاضطرابات السياسية والأمنية. نأمل من القوى المدنية، أن تحذوا حذو الجيش، وتتحدث بود عن الإسلاميين، وأن تبادر هي بالمصالحة معهم، فمصر ليست لتيار معين حتى لو خرج منتصرًا من أية معركة سياسية.. مصر للجميع، أيًا كانت انتماءاتهم السياسية أو هويتهم الدينية.