العشرات من المتظاهرين المناهضين للفريق عبد الفتاح السيسي والمؤيدين للرئيس المعزول كانوا يتظاهرون بحماسة واضحة ، رجال ونساء ، كبار وشبان ، حتى أطفال نظموهم في صفوف للمشاركة في هذه المظاهرة ، يهتفون ويلوحون بأعلام "رابعة" ولافتات أخرى ساخنة ، وفجأة تحرش أحد "الأهالي" بالمظاهرة وحاول الاعتداء على سيدة من المشاركات فيها ، وفي غمضة عين انقض عليه رجلا شرطة وكتفاه من الخلف ووضعا ظهره للحائط قبل أن يتم نقله إلى حيث تجرى محاكمة له على الاعتداء الذي ارتكبه على مسيرة سلمية ، طبعا هذا المشهد "الحضاري" والذي يعبر عن دولة القانون لم يكن في القاهرة أو أي مدينة مصرية ، ولكنه كان في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ، وقد تداول نشطاء على شبكة الانترنت هذا الفيديو القصير بكثرة ، بعضهم نكاية في أنصار الفريق السيسي ، وبعضهم حسرة على غياب دولة القانون في مصر ، والحقيقة أن هذا المشهد حرك في نفسي تساؤلا له عدة أسابيع وأحاول كتابته ثم أنشغل عنه ، وهو لماذا يتم الدفع دائما ب"الأهالي" للتصدي للمظاهرات التي تخرج مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك ، بطبيعة الحال ، حكاية "الأهالي" الذين يتصدون للمظاهرات تحولت إلى نكتة ، وأصبح مفهوما أنها "كود" يقصد به تدليل وصف "البلطجية" ، وكنت أتصور أن حماسة "الأهالي" للتصدي للمظاهرات مقصورة على مواجهة مظاهرات الإخوان وأنصار المعزول ، لكني اكتشفت أن "المهام الوطنية" التي يقوم بها "الأهالي" تتسع لتشمل كل القوى الوطنية التي تعارض السلطة الحالية ، وكانت حركة 6 أبريل قد دعت لمظاهرة وسط القاهرة في ميدان طلعت حرب ، ووقعت الاشتباكات طبعا ، بين شباب هذه المنظمة الثورية المعروفة وبين "الأهالي" الذين طردوهم من الميدان في النهاية ، وبما أني من "أهالي" وسط البلد بحكم العمل على الأقل ، فقد تعجبت ، لأن وسط البلد يصعب أن تتحدث فيه عن "الأهالي" ، لأنها منطقة مقاهي وبنوك وبنسيونات ومطاعم ومحلات ، منطقة تجارية ، والسكان العاديين فيها قليلون جدا ، وغالبهم من كبار السن ومن "سلالات" مرحلة الستينات والخمسينات المسالمة والتي لا صلة لها بالأحداث تقريبا ، فمن أين أتى "الأهالي" في وسط البلد ، الإجابة وجدتها على لسان محافظ القاهرة الدكتور جلال سعيد ، الذي تحدث باسترخاء في حوار مع قناة فضائية سألته عن سبب الفوضى في شوارع وسط البلد وانتشار الباعة الجائلين وسيطرتهم على الشوارع الرئيسية بنظام وضع اليد حتى أنهم يشلون حركة المرور وحولوا الشوارع والأرصفة إلى محلات متنقلة وأصبحت مساحات الشوارع والأرصفة تؤجر والسلاح حاضر إذا وقع أي تجاوز وكثيرا ما طرقع الرصاص في معارك كر وفر في شارع 26 يوليو أو شارع طلعت حرب ، المحافظ الصريح قال أن هؤلاء الباعة نحتاج إليهم كثيرا ، لأنهم يقومون بواجب وطني ـ حسب نص كلامه ـ في مساعدة الشرطة في أي أحداث تقع في وسط البلد ومحيطها ، وضرب مثلا بما حدث في ميدان رمسيس ومسجد الفتح تحديدا . ولا يوجد مكان يقع فيه تظاهر في أي مدينة مصرية الآن ، إلا وتسمع عن مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وبين "الأهالي" ، وأنا أستغرب كلما سمعت هذه "النشرات" في الإعلام الرسمي والموالي وهم يقولون بثبات : خرجت مظاهرة لأنصار المعزول في كذا فتصدى لهم الأهالي ، وأتساءل : ولماذا يتصدى لهم الأهالي ، إن "المفترض" أنهم يمارسون حقهم القانوني في الاحتجاج السلمي والتظاهر ، فلماذا يتم الهجوم عليهم من "الأهالي" ، ولماذا دائما لا نجد الشرطة توقف أحدا من "الأهالي" ، ودع عنك الفضائح التي يتم تداولها في كل مرة بالفيديو عبر شبكات الانترنت عن "الأهالي" الذين يتحركون بحماية مدرعات الشرطة . فكرة الاستعانة بالبلطجية لقمع المعارضة واحتجاجاتها هي من موروثات نظام مبارك ومؤسسته الأمنية التي قامت الثورة لتطهير الداخلية منها ، غير أن طبيعتها أيام مبارك كانت أهون ، لأنها كانت موسمية وتحدث في المناسبات "المهمة" مثل أيام الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية ، ولكن المشكلة الآن أنها أصبحت برنامجا يوميا على امتداد مصر كلها ، وأخطر ما فيها أنها ستحول "الأهالي" مع الوقت إلى مافيات خطيرة وخارج السيطرة بعد ذلك ، لأنها تشعر أنها "شريكة" في السلطة وفي حماية "الدولة" واعتادت أن "ظهرها" محمي من القانون .