لا أتذكر بالضبط متى التقيت لأول مرة بالمهندس إبراهيم محلب، لكن دائماً ارتبط ذكر اسمه لدى بمواقف إيجابية، ولكنى أذكر تماماً ذلك اليوم الذى زرته فى مكتبه فى المقاولين العرب، عندما كان رئيسا لها. ما دفعنى إلى طلب الزيارة فى ذلك الوقت كان النجاح الملحوظ للشركة وقدرة إدارتها على تحويلها إلى قصة نجاح حقيقية، أيضاً ذلك البعد الإقليمى والأفريقى الذى كان بادياً فى حركة الشركة على الرغم من كونها شركة مقاولات. حرصت على الزيارة وظلت تفاصيلها عالقة بذهنى حتى اليوم، بل إن جزءاً منها هو أحد النماذج التى أقدمها عند الحديث عن أسلوب نجاح إدارة البشر. هذا الجزء من الزيارة عندما فاجأنى محلب وقتها بأن أشار إلى جزء من خزانته يحتوى على ملفات قال لى إنها الملفات الخاصة بنتائج الاستطلاع الذى أجراه على العاملين بالشركة، فقد كانت المشكلة الرئيسية وقت توليه رئاستها عام 1997 هو كيف يبنى علاقة خاصة أساسها الانتماء بين العامل والشركة. اطلعت وقتها على استمارة الاستطلاع للعمال التى اهتمت بمعرفة تفاصيل حياة العامل الشخصية وعائلته، زوجة وأولاد، ومراحلهم التعليمية وحالاتهم الصحية واهتماماتهم الشخصية وأولويات حياتهم معيشة وتعليما وصحة، وبناء على تحليل هذه البيانات وضع نموذجاً للخدمات التى تقدمها الشركة تم تفصيلها بناء على إدراك الاحتياجات الحقيقية للعاملين فيها. أظن أن هذا هو السبب الرئيسى لنجاح الشركة وقتها قبل أى أسباب أخرى. ظل هذا الجزء من الزيارة حاضراً دائماً، بل وتمنيت أن أطبقه على الموقع الذى كنت أشغله وقتها.
عندما عرض منصب وزير الإسكان على محلب كان فى السعودية بعد أن ترك الوطن، وكان قد تعرض ظلماً- ككثيرين- لحملة تشويه واغتيال معنوى، وعلى الرغم من أنه كان يشغل منصباً مريحاً فى إحدى الشركات السعودية الخاصة إلا أنه لم يتردد لحظة، بل وعاد على الفور فى نفس يوم تكليفه- تقريباً- دون أن «يحسبها»، فهناك مواقف هى خارج الحسابات عندما يتعلق الأمر بالوطن.
أعلم أن هناك أصواتاً قبيل تكليفه بتشكيل الحكومة فى المرة الأولى كانت تشكك فى أنه الشخص المناسب لقيادة الآلة الحكومية المصرية فى هذا التوقيت الصعب، وطرح البعض أسباباً مثل احتياج مصر إلى رئيس حكومة سياسى أكثر منه تنفيذى، خاصة مع الجو العام السائد فى مصر وقتها الذى كان متشبعاً بالسياسة حتى النخاع، وبالتالى فإن سياسياً قادراً على التعامل والمناورة مع القوى السياسية كان أكثر مناسبة من وجهة نظر هؤلاء. البعض الآخر طالب بأن يكون رئيس الوزراء عالماً وخبيراً فى مجال الاقتصاد لأنه هو التحدى الأكبر. كنت شخصياً مع وجهة النظر التى رأت فى محلب الشخصية المناسبة لقيادة الحكومة فى هذه المرحلة لسببين أساسيين: الأول هو تلك العلاقة الخاصة التى نجح محلب فى خلقها بينه وبين المواطن البسيط، وذلك بسلوكه الفطرى التلقائى الذى أعطى الانطباع لدى الناس- وهو انطباع حقيقى- بأنه منهم وليس غريباً عنهم أو مترفعاً عليهم، وتعامله بلغة قريبة من الناس أزالت بدرجة ملحوظة تلك الفجوة بين المسؤول والمواطن. السبب الثانى هو قدرته بأدائه وحركته وتصريحاته على ترسيخ قيمة العمل والجهد أعطى دائماً بتواجده وسط العمال فى مختلف المشروعات والأماكن نموذجاً لصورة المسؤول الذى يقدر على تنفيذ ما يكلف به. هاتان الميزتان أعطت للرجل شعبية حقيقية فى أوساط بسطاء المصريين حتى لو تحفظ بعض المتحصنين بموقع النخبة. كنت أنا شخصياً من الذين رأوا فى المهندس إبراهيم محلب رجل المرحلة، وانتصرت وجهة النظر هذه.
هذه كانت مقدمة- قد تكون طالت- رأيت أن أضعها قبل أن أحاول الإجابة عن السؤال: كيف ينجح إبراهيم محلب؟ ومن خلال الإجابة نناقش أسلوب الحكومة فى التعامل مع تحديات الوطن فى هذه المرحلة.