تزويد عناصر الشرطة في سيناء بأسلحة متطورة أخيرا يعد من الأنباء التي تدعو للتفاؤل,
لأن هذه الثغرة تسببت في وقوع خسائر مادية ومعنوية كبيرة في صفوف الجنود. لكن عمليا هذا لا يعني انتهاء المشكلة, فالتوتر في سيناء سيظل مستمرا, لأن هناك فجوة غير مرئية بين واضعي التصورات السياسية والقائمين علي التصرفات الأمنية.
المصادر الأمنية تعتقد أن العناصر الجهادية التي تضم شخصيات من جنسيات مختلفة, هي جوهر المشكلة في سيناء ويجب وقف نشاطها. في حين يري فؤاد جاد الله المستشار القانوني لرئيس الجمهورية أنها لا تمثل ضررا. وقال لصحيفة الشروق إن العناصر الخطرة لا تنتمي للسلفية الجهادية ولا التيار الاسلامي من الأساس. وهو ما يعني, إما أن أجهزة الأمن تخدعنا وتتاجر بفكرة وهم أو شبح اسمه الجهاديون في سيناء لتعظيم دورها وتحقيق مآرب أخري, أو أن مستشار الرئيس يريد تبديد مخاوفنا وطمأنة قلوبنا حيال التيار الاسلامي عموما. وفي الحالتين يوحي الأمر أن الأمن يسير في طريق والسياسة في طريق آخر. لكن الحقيقة أن الأول اضطر في النهاية للرضوخ لرؤية الثانية( السياسة), بدليل قيام أجهزة الأمن باستئذان مؤسسة الرئاسة قبل الهجوم علي ما يعرف بخلية مدينة نصر. كما أن المندوبين الرسميين الذين يقومون بجولات جس نبض وحوارات مع عناصر جهادية في سيناء يتحركون في حماية الأمن هناك, الذي تراجعت عملياته منذ بدء اللقاءات بصورة مباشرة وغير مباشرة.
المستشار جاد الله اعترف باحترام عناصر سلفية تنشط في سيناء ولديها أفكار للجهاد في سوريا وفلسطين. وخطورة هذا الاعتراف أنه يمنح هؤلاء حرية وشرعية في الحركة والتدريب وربما يحول دون معاقبتهم, بالرغم من خروجهم علي القانون وحمل أسلحة خفيفة وثقيلة غير مرخصة, الدولة فقط هي صاحبة الحق في امتلاكها واستخدامها. بالتالي يبدو قيام هذه العناصر بعمليات ضد اسرائيل وكأنه تم تحت سمع وبصر وبموافقة النظام, وهو ما يورطه في مشاكل سياسية مع تل أبيب هو في غني عنها, ويؤثر سلبا علي اجراءات الأمن في سيناء, لأنها ستكون عرضة لاختراقات جديدة من جانب اسرائيل, إذا قررت ضرب معسكرات الجهاديين. كما أن تفهم أو احترام أفكار هذه العناصر للجهاد ضد سوريا, قد يمنح الأخيرة مبررات لمبادلتنا بالطريقة نفسها, خاصة أن دمشق تملك أذرع فلسطينية ولبنانية( اسلامية) يمكن أن تستغلها للعبث بأمننا, إذا طبقت سياسة المطاردة وتجفيف المنابع.
لا أنكر أن أهمية سيناء حاضرة في التصريحات السياسية الرسمية, لكنها غائبة عند التطبيق العملي, الذي يفتقر إلي تصورات محددة تعكس المكانة الاستراتيجية لهذه المنطقة. وأهمها, ضرورة اطلاق يد الأمن في التعامل مع العناصر الخارجة علي القانون, بصرف النظر عن ميولها السياسية وانتماءاتها الأيديولوجية. وأن تكون الحوارات والمناقشات مقصورة علي الشخصيات التي لم تتورط في عمليات مسلحة. كما أن العلاقة الطيبة مع الأشقاء في غزة لا تبرر أبدا الصمت علي كثير من التجاوزات, التي تبدأ هندستها في القطاع وتصل أصداؤها إلي سيناء. ولم يعد خافيا أن هناك تسهيلات ومساعدات مختلفة يتلقاها جهاديو سيناء من قطاع غزة, الذي تديره سياسيا وتتحكم فيه أمنيا حركة حماس. أضف إلي ذلك أن تجربة مصر التاريخية تؤكد أن من أراد دعم القضية الفلسطينية من أشخاص يذهب إليها لا أن تأتي إليه كما هو حاصل الآن.
الواقع أن الفكر الذي يحمل السلاح في سيناء سوف يمثل مشكلة كبيرة لأي نظام سياسي في مصر. فإذا كانت الرئاسة لديها خطوط اتصال وقنوات يمكن أن تسفر عن تفاهمات, فإن وقوع خلاف في أي لحظة, يمكن أن يغير اتجاه السلاح. وقتها ربما يكون من الصعوبة السيطرة أو حتي الحوار مع أصحاب عقل يمتلكون مشروعا قد تلتقي بعض علاماته مع النظام الحالي, لكن تفاصيله مصيرها إلي فراق.
الرئيسية 
