يزعم البعض أنه مهما كانت نتائج حرب غزة فليس لدى لحماس ما تخسره، بل يمكنها تحقيق عدة أهداف كأن تستعيد شعبيتها فلسطينيًا وعربيًا، وتغسل سمعة (تنظيم الإخوان الدولى) بعد الإطاحة بحكمه فى دولة المنشأ، وأنها الأقدر على الدفاع عن أهالى غزة ورفع الحصار عنهم، ومعالجة الأزمة الاقتصادية بمعونات ستنهمر بعد الحرب، ويجعلها بوضع أفضل شعبياً وسياسياً.
ويرى هؤلاء أن حماس تريد بهذه الحرب العودة للخريطة السياسية بعد التهميش عقب عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، وأن أى إنجاز تحصل عليه سيكون بمثابة انتصار لها فهذه فرصتها لتعزيز شعبيتها، لكن الحقيقة المريرة أن هذه المواجهات ليست كغيرها من الحروب السابقة، فقد تغيرت الأوضاع الإقليمية جذرياً، وتراجع المدّ الإخوانى الداعم لها، كما أن الشارع الإسرائيلى يصطف خلف حكومة نتنياهو ويقبل بتقديم الضحايا، وبالتالى فهذه (معركة وجودية) لحماس وإسرائيل التى تستهدف حكومتها تدمير البنية التحتية المدنية والعسكرية وشبكة الأنفاق ونزع سلاح حماس، التى ينبغى أن تُدرك بدورها أن إعلانات النصر الخطابية لن تشفع لأسر الضحايا الذين يقترب عددهم من الألفين، وعلى حماس أن تنزل من عليائها وتخرج من كهوفها لتشارك أهل غزة فجيعتهم وعزاءهم، لعلهم يتقبلون منها العزاء.
ثمة أمر آخر أن الحرب المستعرة مفتوحة على كل الآفاق الزمنية والنوعية بعدما حصلت إسرائيل على «غطاء دولى» بعدما رفضت حماس مبادرة مصر، والأسوأ تورطها فى تجاذبات إقليمية بين مصر وحلفائها العرب من جهة، والأخرى قطر وتركيا، وكان ينبغى عليها تحاشى هذه الإشكالية لتتحرك انطلاقًا من أرضية وطنية فلسطينية، دون الانزلاق لمستنقع الحروب الأيديولوجية، فثلاثى «قطر وتركيا وتنظيم الإخوان الدولى» استخدموها لإحراج مصر بشلال الدم المنهمر فى غزة.
وتسعى حماس أيضاً لفتح خط اتصال على مستوى سياسى مصرى لكن القيادة الجديدة متمثلة بالرئيس السيسى وضعت قواعد اللعبة بالتعامل معها بالمستوى الأمنى، انطلاقاً من قناعة مفادها أن منظمة التحرير الفلسطينية هى العنوان الصحيح للقضية، وأنها المنوطة بتشكيل الوفد الذى يضم ممثلين لكل الحركات التى ينبغى عليها الاتفاق على مطالبها قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، وأن مسألة «معبر رفح» مصرية فلسطينية لا شأن لأى قوى إقليمية ودولية بها، على أن تكون السلطة الفلسطينية هى التى تتعامل معها مصر.
تُراهن حماس وخلفها قطر وتركيا لإجبار القاهرة على تعديل شروطها، وبالطبع قوبل بالرفض، وتأكيد أن أى اتفاقيات أو تفاهمات تستبعد مصر فهى ليست معنية بنتائجها، وتعتبرها والعدم سواء، إدراكًا من القيادة بأن مصر هى الطرف الحاضر الغائب فى هذه المعركة وغيرها، والتى ستُغير نتائجها الكثير من الأوضاع الاستراتيجية والحسابات السياسية الإقليمية.