أقصد الجمعة الماضية10/12 والجمعة القادمة10/19, ولقد أجمع المصريون علي أن أحداث الجمعة الماضية
في ميدان التحرير تجعلها تستحوذ علي اسم جمعة الألم بجدارة, وكنت أحب أن اسميها الجمعة الحزينة أو اليتيمة لما لهذين الاسمين من دلالة دينية عند المسيحيين وعند المسلمين.
لعلي اشحذ هممهم بالدين الذي هو أقوي في التأثير بعد أن ضعف عند الكثيرين الوازع الوطني الذي يجعلهم يحافظون علي وطنهم وعلي اخوانهم في الوطن وعلي ممتلكاتهم, ولا تخفي دلالة اسم الجمعة الحزينة فهي قريبة من اسم جمعة الألم, أما اليتيمة فلرغبة مني ألا يتكرر ما حدث مرة أخري كما نسمي الجمعة الأخيرة من رمضان فهي لا تتكرر في ذات الشهر لانها الأخيرة, ويحتوي اسم اليتيمة أيضا علي معني الحزن لان الحزن ملتصق باليتم لا ينفك عنه. أيا ما كان الأمر فإنها جمعة الألم لكثير من الأسباب منها:-
كيف اتخذت قيادة حزب الحرية والعدالة أو قيادة الإخوان المسلمين قرار النزول الي ميدان التحرير( لست ادري أيهما فقد كنت خارج البلاد من الأربعاء10/10 حتي الأحد10/14) وقد سبقتها أو سبقتهما إلي الإعلان عن ذلك مجموعات وأحزاب معارضة معلوم أنها ستنتقد وبضراوة أداء رئيس الجمهورية خلال الشهور الثلاثة الماضية, ويتوقع نوع من الصدام بين المتظاهرين ونظرة الي ماحدث في الذكري الأولي للثورة يوم25 يناير2012 كان كفيلا بمنع نزول الفريقين معا إذ ما زالت صور الصدام التي حدثت آنذاك وما ترتب عليها من آثار نفسية عميقة ماثلة أمام الأعين, ولا يستساغ القول بأن ميدان التحرير يتسع للجميع فلو سلمنا باتساعه للجميع مكانا فانه بالقطع لا يتسع للجميع في نفس الوقت. ولو كنت مشتركا بالقرار لرفضت رفضا باتا النزول في نفس المكان وفي نفس الزمان.
اما وقد نزل الفريقان الي ارض التظاهر فكان حريا بقيادة كل فريق- ان كانت هناك قيادة ميدانية- ان تضبط الأداء فيكون التظاهر سلميا بحق حتي وان تفاوتت وتعددت النظرات إلي نفس الموضوع لكن اين هي تلك القيادة التي نستطيع كبح حماس المتظاهرين ومعظمهم من الشباب, لقد تبخرت اي قيادة ميدانية واختلط الحابل بالنابل وضعف الوازع الوطني فإذا بنا امام واقع اليم يصطدم فيه فريقان من المفترض أن يوما ما جمعهم ضد النظام السابق.
سالت دماء مصرية كثيرة نتيجة هذا الصدام وحدثت جراحات ان التأمت عضويا فسوف تترك ندوبا عميقة في نفوس المصابين واهليهم ومؤيديهم, ووقع الجميع في هوة سحيقة ما كان لهم ان يسقطوا فيها, واصبح واجبا مرة اخري بذل جهود مضنية لانتشال من سقطوا في هذه الهوة ثم العمل بعد ذلك علي ردمها لكي لا تبتلع اخرين من بعدهم.
هل يوجد من حرض علي العنف ورعاه ودفع به قدما ليكون في المشهد الرئيسي لهذا اليوم الحزين؟ وهل تدفقت مساعدات او أموال لتمويل وتزكية هذا الصدام؟ وهل يوجد بين المصريين من لا تهمه مصلحة الوطن فيخطط لمثل هذا العنف ثم يجد بعد ذلك من ينفذ هذا التخطيط الشيطاني. وأنا أري أن الإجابة علي كافة هذه الأسئلة هي كلمة نعم.
معلوم ان هناك حركات مصرية لا تفكر أبدا في المنافسة علي السلطة بل سمت نفسها بالحركات الاحتجاجية, اي إنها تحتج ضد السلطة ايا كانت وتثير الغبار أمامها, فهل يمكن بذل جهد ما لدي هؤلاء المحتجين دوما بحيث يتم ترشيد الاحتجاج لمصلحة بدلا من الضرر وهل يستوعب الفريق المؤيد للسلطة طبيعة هذه الحركات الاحتجاجية فيعمل برشد لمواجهتها سلميا بدلا من الصدام معها, أم أن الرؤية القاصرة هي سيدة الموقف عند البعض هنا او هناك.
من المثير للحزن والألم أن أحداث الجمعة الماضية ارتدت عند البعض ثوب البطولة للدفاع عن القضاء, وذلك في مواجهة القرار الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية بحق السيد المستشار النائب العام, ومعلوم أن احد المطالب التي أجمع عليها الثوار هو إقالة النائب العام مما يعلمونه من تصرفات شهدت عليها البراءات المتتالية التي كان آخرها وأشدها إيلاما علي الجمهور المصري هو براءة كافة المتهمين في موقعة الجمل, وقد كنت أتناول قضية السيد المستشار النائب العام بكثير من الحرص فقلت مرارا ومنذ اندلاع الثورة انه من الراسخ في دنيا القضاء أن محكمة ما اذا استشعرت الحرج أقدمت من تلقاء نفسها علي التنحي عن نظره القضية المعروضة أمامها وكنت أناشد النائب العام أن يستشعر الحرج في إحالة المتهمين من النظام السابق ابتداء من رئيسهم الذي عينه في منصبه مرارا بالدكتور فتحي سرور الذي بارك وساعد في حصوله علي درجة الدكتوراه, لكن يبدو ان استشعار الحرج أصبح عملة نادرة تقف بعيدا عن دار القضاء العالي مقر النائب العام وكذلك عن نادي القضاة الذي يقع علي مقربة من نفس المكان.
هناك الكثير الذي يقال عن جمعة الألم ولكن ماذا عن جمعة الأمل(10/19) وما هو الأمل وكيف ننميه ونحرسه؟
لقد دعت نفس القوي السياسية التي اجتمعت في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي معارضة رئيس الجمهورية إلي تجمع آخر وفي نفس المكان( ميدان التحرير) وإنني أرجو ألا يزاحمها أحد, بل تقوم الشرطة بحراستها لتعلن عن رأيها بوضوح, وقد يكون ذلك باعثا للأمل عند الطرفين أقصد مؤيدي الرئيس ومعارضيه في ممارسة ديمقراطية صحيحة لحق التظاهر, وأرجو أيضا أن يعلن معارضون الرئيس رأيهم بشكل يبعث علي الاحترام بدلا من استعمال ألفاظ يحاسب عليها القانون, وليتهم في انتهاء مظاهرتهم ينتدبون مجموعة منهم لتحمل طلباتهم مكتوبة إلي رموز السلطتين التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والنيابية ممثلة في رئيس مجلس الشوري.