محسن سالم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محسن سالم

منتدى دينى سياسى عسكرى رياضى قصصى
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 النار تحت الرماد في أولى ليالي هدنة «السيل الريفي»

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 5120
تاريخ التسجيل : 03/09/2012

النار تحت الرماد في أولى ليالي هدنة «السيل الريفي» Empty
مُساهمةموضوع: النار تحت الرماد في أولى ليالي هدنة «السيل الريفي»   النار تحت الرماد في أولى ليالي هدنة «السيل الريفي» Emptyالأربعاء أبريل 09, 2014 1:30 am

وقف الجنديان القادمان من الدلتا بجانب المدرعة يرتديان واقيين من الرصاص، وقبض كل منهما على رشاش، بينما جلس العسكرى الثالت القادم من الصعيد خلف برج رشاش، المدرعة «Sherpa Scout»، المرابطة فى شارع 11، داخل منطقة السيل الريفى بأسوان.

لا يعرف الجنديان «على» و«محمود»، القادمان من الشرقية وكفر الشيخ، أى شىء عن هجرة أهل قرية دابود إلى شمال أسوان قبل بناء السد العالى، كما لا يعرف «سيد»، القادم من الصعيد، عن بنى هلال سوى كونهم قبيلة معروفة تنتشر بطول خط صعيد مصر.

يشتكى العساكر الثلاثة دون كلمات، إرهاق 36 ساعة من العمل المتواصل، للفصل بين شوارع متداخلة فى منطقة واحدة، يفصلها عن عالم الأضواء والسياحة بأسوان خط سكك حديدية، وسوق كبيرة معظم بائعيها من غير المجموعتين المشتبكتين، واللتين تدخل الهدنة بينهما يومها الأول، وليلتها الأولى، بينما يمر الوقت ببطء على العساكر والضباط، ولا يمر تقريبا على أهل السيل الريفى من النوبيين وبنى هلال.

فى شارع فاصل بين منطقتى نفوذ الهلايلة ومنازل النوبيين، الدابودية، يلعب بعض الأطفال كرة القدم، فى أول ليلة للهدنة المتفق عليها بين الطرفين، بينما بقايا المعركة ملقاة على نواصى الشوارع، كدليل على اشتباكات دامية.. بقايا أشجار وإطارات محترقة كانت تغلق المداخل لمناطق نفوذ المجموعتين المتقاتلتين لـ6 أيام، قبل تدخل «الكبار» والاتفاق على الهدنة. وداخل الشوارع، وفى قلب مناطق النفوذ، يجتمع الكل، يتناقشون فى جلسات جدل لا تنتهى، وكل طرف يحمّل الآخر المسؤولية، وكل طرف يتشاجر فيه شبابه مع قرار الهدنة فيما يشبه محاربة الهواء.

لا يعرف «على» و«محمود» و«سيد» ما قد تحمله الساعات القادمة، كما لا يعرفون ما حمله وقت مضى من عداوة متأصلة، وتاريخ متقاطع، لا يبدأ بما قبل بناء السد العالى، وقتها كانت توجد قرية اسمها دابود، عندما تقرر بناء سد أسوان، هُجّر جزء من أهلها ليسكن شرق النيل فى مناطق كثيرة بأسوان المدينة، منها «دابوديو» سهل الريف، قبل أن تمر سنوات، ويُهجر بقية سكان دابود إلى مدينة جديدة، اسمها دابود فى شمال أسوان. قبل ذلك بسنوات طويلة هاجر أبناء من الجزيرة إلى مصر بعد الشام، ومنها إلى المغرب العربى، ويشارك ابن خلدون الدابوديين رأيهم فى بنى هلال فيكتب حسب «تاريخ ابن خلدون» الجزء الأول «إفريقية والمغرب»: «لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد لحق بها وعادت بسائطه خراباً كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومى كله عمراناً تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر». ليحمل الدابوديون رأيه معهم، ويحمل بنو هلال تجاههم غصة تاريخية واتهاما لهم بالتعالى.

فى منطقة الشعبية يجتمع عدد كبير من الدابوديين، يتفاعل الكبار مع الشباب، ويتفاعل الشباب مع اتفاق التهدئة، وفجأة يرن الهاتف بخبر إحراق الهلاليين 3 منازل لـ«دابوديين»، فى منطقة «خور عواضة» التى تقطنها أغلبية من قبيلة بنى هلال، تركها أهلها ليحتموا بشوارع أخرى مجاورة تضم أغلبية دابودية، وتبدأ شحنات الغضب فى التصاعد فى حوارات الشباب واتهامات حول من بدأ المشكلة.

تبدأ دعوات واتصالات هاتفية فى التصاعد بما ينذر بليلة طويلة من الاشتباكات، قبل أن يصل اتصال هاتفى بأنباء أن المنازل التى قيل إنها احترقت هى نفس المنازل التى احترقت منذ أيام، وأن النيران تجددت فى أحد البيوت من تحت الرماد، تهدأ النفوس، ولكن بقى تحت الرماد نار.

فى منطقة «خور عواضة» التى شهدت اعتداءات متبادلة بين الطرفين، تمر الساعات أكثر ثقلا، روايات عن عدد أكبر من القتلى، وحكايات عن تمثيل بالجثث من الطرف الثانى، وتكرار طبق الأصل لمشاهد اختلاف الشباب مع اتفاق الهدنة، ومعارضتهم له ولمن عقدوه، وتصل الأنباء عن عزم الطرف الثانى على التجهز بالسلاح والعتاد، فتصعد الدماء لرؤوس البعض، ويهرول شباب إلى اتجاهات مختلفة، تبدو من تضاربها، إلى اللاشىء. قبل أن يتدخل الكبار، وتمر فورة الغضب، وتظل الدماء بادية على الرؤوس.

رغم تأخر الوقت، تظهر السيدات فى الجانبين مرتديات السواد، متشحات بالصمت، جالسات أمام البيوت، يتمتمن بالكلمات، يمر أمامهن مجموعات الشباب والمراهقين، من جانب لآخر إلى الخدمة، وهى حراسة الحدود، والتأكد أن أحدا من الطرف الآخر لم يخترق الهدنة. بينما تذهب فرق استطلاع على موتسيكلات إلى حدود الطرف الآخر لرصد أى تحركات أو خطط. بعدما ينتصف الليل تأخذ الجلسات وضعا مختلفا، يبدأ الشباب فى الجلوس فوق المصاطب، ويخلد الكبار إلى النوم، يبدأ الشباب فى رواية ما يراه كل طرف مصدرا للفخر، الدابودية: «حاربنا بصدورنا عارية، ومفيش واحد منهم مات بطلقة رصاص، إحنا مفيش معانا سلاح»، والهلالية: «أخدونا على خوانة، وكنا عايزين نلم الموضوع فخطفوا رسل السلام اللى بعتناهم.. وبعدين راحوا اتحاموا فى الشرطة»، «حق اللى راحوا فى رقبة لجنة الصُلح»، و«الاتفاق على الهدنة يشمل التحقيق والأخذ بالثأر».

يتفق الطرفان أن الهدنة لها احترامها، ويتفقان فيما بينهما على روايات تنصف ولو جزءا من الطرف الآخر، يروى الدابودية عن هلالى هرّب سيدتين من الدابودية فى أكفان لمتوفين داخل سيارة إسعاف، وطلب من سائق سيارة الإسعاف أن يرميهما على الطريق فى منطقة بعيدة عن مكان الاشتباكات كيلا يتعرض لهما أحد من الغاضبين، ويروى الهلاليون عن رجل دابودى أنقذ عددا من الشباب من بنى هلال، ورفض المساس بهم لأنهم عزل. وتستمر الحكايات فى التصاعد، وتستمر ساعات الهدنة الثقيلة والحذرة فى المرور، حتى يحمل أذان الفجر الأمل فى انتهاء أول أيام الهدنة بسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohsensalim.mountada.net
 
النار تحت الرماد في أولى ليالي هدنة «السيل الريفي»
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بدء هدنة 72 ساعة في غزة بوساطة مصرية
» صحيفة لندنية: جون كيرى يضع لمسات أخيرة على هدنة لـ5 أيام بغزة
» قيادى بالجماعة الإسلامية يدعو إلى هدنة "أسبوع" للتهيئة لإقامة حوار
» النيابه تبدأ تنفيذ أولى خطوات اقالة النائب العام
» صاحب مطعم البرنس يستأنف على حكم حبسه.. و15 إبريل أولى الجلسات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محسن سالم :: الفئة الأولى :: منتدى الاخبار السياسيه والعسكريه-
انتقل الى: