أول مرة نعرف أن فتنة أسوان التى حصدت 28 قتيلاً و32 مصاباً، أمس الأول، ليست وليدة ساعتها، وأن لها بدايات تعود إلى مساء الثلاثاء الماضى!
وعندما تكون المسافة بين بداية الفتنة وذروتها أربعة أيام كاملة، ثم لا يتدخل المسؤولون عن المحافظة هناك خلال الأيام الأربعة، لوأدها فى مهدها، فهذا معناه أن خطأ فادحاً وقع، ويقع، وأن هذا الخطأ إذا ما كان يتمثل فى أشياء كثيرة، فإن أول شىء يتمثل فيه هو أن هؤلاء الجالسين على كراسيهم فى المحافظة لا يستحقون البقاء فى أماكنهم!
وكنت قد سمعت من صديق يقيم فى أسوان، أن الطريق الذى يربط بين المطار هناك ومستشفى الدكتور مجدى يعقوب فى المدينة، على درجة من السوء تجعل الدكتور يعقوب يكاد يخجل من اصطحاب أحد إلى مستشفاه!
وكنت أعتبر الصديق مبالغاً، حتى سمعت الكلام ذاته من صديق آخر، رافق ضيفاً عالمياً إلى المستشفى، فعاد يروى لى كيف أن الطريق إياه يستحيل أن يليق بآدميين يمشون عليه، فضلاً عن أن يكون سبيلاً إلى مستشفى له سمعته كمستشفى مجدى يعقوب!
وحين وقعت فتنة أمس الأول، قلت فى نفسى إن المسؤول الذى يسكت عن سوء ذلك الطريق سوف يسكت بالضرورة عن سوء غيره، وسوف لا تحركه بدايات فتنة من نوع ما وقع على مدى أربعة أيام كاملة!
المشكلة فى الأصل كانت بسيطة، وسواء كانت رسوم الجدران على حوائط مدرسة محمد صالح الثانوية الصناعية فى أسوان هى سببها، أو كان هناك سبب آخر، فقد كان من الممكن احتواؤها لو أن المسؤول عن المحافظة أدرك أن عليه أن يحل مشاكله بنفسه، وألا ينتظر حتى يصل صداها إلى القاهرة، فيطير رئيس الوزراء ومعه وزيرا الداخلية والتنمية المحلية لحل أزمة على بعد 1000 كيلو من العاصمة!
وإذا كان لى أن ألخص الدرس الأهم من هذه الفتنة، فهو أن هذا السلاح الذى صار فى كل يد لا يجوز أن يبقى هكذا، وأن على الدولة أن تطلق منذ الآن مبادرة لجمع السلاح غير المرخص من كل بيت، وأن تحدد مهلة لذلك، وأن تعفى الذى يسلم سلاحاً غير مرخص فى خلال المهلة من أى عقوبة، وأن تطبقها مضاعفة على المخالفين فيما بعد انتهائها.
لقد أطلق المشير السيسى وقت أن كان وزيراً للدفاع مبادرة من هذا النوع فى مطروح مرة، وفى سيناء مرة أخرى، وكانت لهما استجابة ملحوظة لدى الناس فى المحافظتين، وقد كان التقدير الأقرب للصواب أن مبادرة كهذه يجب أولاً أن تستمر، وأن تعتمد فى تطبيقها على سياسة النفس الطويل، ثم إنها ثانياً لابد أن تكون بامتداد محافظات الجمهورية كلها، وليس فى المحافظتين وحدهما!
فالواضح مما جرى فى أسوان أن ارتفاع عدد القتلى والمصابين راجع فى أساسه إلى أن السلاح المستخدم كثير، وأنه يمكن أن يكون مقبولاً فى معركة محدودة بين دولتين، وليس فى خلاف من النوع العادى بين قبيلتين، ويقع مثيله بين قبائل وعائلات عدة فى كل يوم!
إطلاق مبادرة لجمع السلاح غير المرخص مسألة مطلوبة، وبسرعة، لأن السلاح الذى تدفق على البلد منذ ما بعد 25 يناير 2011 بشكل عام، ثم أيام حكم الإخوان لا أعاده الله بشكل خاص، ليس عادياً بالمرة من حيث حجمه، ومن حيث نوعه، ولابد من مبادرة قوية، ومستمرة، لجمعه وإبعاده عن أيدى الناس.
غير أن هذا شىء، وكون أن المسؤولين عن المحافظة فى أسوان قد قصروا فى أداء واجبهم المفترض، شىء آخر تماماً، ولابد من عقاب وحساب يفهم من خلالهما كل مسؤول يتولى عملاً خارج القاهرة، أنه ليس هناك للنزهة وقضاء وقته فى الراحة، وأنه ذهب إلى محافظته ليحمل عبئاً عن العاصمة، لا ليضيف فوق رأسها أعباء!