من الأمثال الشائعة المثل الذي يقول: طلعنا من المولد بلا حمص! ويقصد به من يدخل في موضوع كبير وضخم ويخرج بلا فائدة، إذ جرت عادة أصحاب الموالد توزيع الحلوى والحمص (القضامة) على رواد الموالد، فمن يدخل المولد ولم يخرج حتى بحمص فهذا رجل خسران! ولعل هذا الوصف (خرج من المولد بلا حمص) ينطبق بشكل كبير على كثير ممّن يقيمون الموالد، سواء المولد النبوي أو موالد غيره من الصالحين والمواليد الجدد وما شابه ذلك، إذ المولد الجيد يدور على قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتذكر شمائله صلى الله عليه وسلم. أما غالب الموالد فهي تضم إلى ذلك بدع ومنكرات واختلاط ومخدرات، واجتماع للحرافيش، حتى اضطرت مشيخة الطرق الصوفية بمصر لإصدار تنبيه على ضرورة تقيد الموالد بمنع هذه السلوكيات المحرمة والمخالفة لدين الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والذي يقام المولد في ذكرى ولادته!! وبالمقابل نرى بعض المحبين للخير والنبي صلى الله عليه وسلم من شبابنا وفتياتنا يهتمون بالمشاركة في إقامة مولد نبوي، بإنشاد الأناشيد وتوزيع الحلوى، وفي هذه السنة سمعنا عن فتيات في بعض الشوارع يوزعن الحلوى على المارة باسم المولد النبوي! وهؤلاء الشباب والفتيات رغم حبهم للخير وللنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لا يتمثلون سيرته وسنته في أنفسهم، بل وقد تجد منهم تقصيرا في واجبات وأركان جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا يتفق مع النهج النبوي؟ لماذا نجد اليوم كثيرا من الشباب يقوم بتصرفات وسلوكيات بدافع التماهي مع الموضة و(الستايل) الحديث، ويمكن أن يصادم بها الرأي العام والسلوك المستقر، بينما هو يستهجن أن يتصرف علناً ببعض سنن النبي صلى الله عليه وسلم والتي يقيم له مولداً! قبل سنوات كان الكثير من الناس يتندر على الشباب المعتمر إذا حلق رأسه بالموس، ويَعتبر ذلك تزمتا وتشددا وعيبا، ولكن اليوم أصبح حتى من وزراء الديجتال مَن لا يخجل من أن يكون أصلعَ بالحلاقة، لأن هذا أصبح اليوم تقليدا لنجوم هوليود وفناني عصر الحداثة! قبل سنوات كان الناس يستهزئون بالشباب المحافظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم بتقصير ثوبه، وكم شاهدنا من رسوم ساخرة وتعليقات جارحة لهؤلاء الشباب، لكن اليوم أصبحت ترى رجلاً كبيرا لا يبالي بوقوفه في بنك أو مطعم أو مول وهو يرتدي الشورت! هذه أمثلة على أن كثيرا من الشباب والفتيات الذين يحبون الخير والنبي صلى الله عليه وسلم، يظنون أن حق النبي صلى الله عليه وسلم عليهم هو أن يقيموا (بارتي) في يوم مولده، وأن يرسل (مسجا) أو تغريدة حول ذلك، أو يضع مقطعا من المدائح على هاتفه، وكفى الله المؤمنين القتال! هذا في الحقيقة خروج من المولد بلا حمص، الإحياء الحقيقي لمولد النبي صلى الله عليه وسلم، هو بتمثل سيرته وسنته في حياتنا، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم هو معيارنا وقدوتنا في طعامنا وشرابنا وليس برامج الطبخ على الفضائيات، ويكون قدوتنا في لباسنا وليس صرعات الموضات وتقليد التافهين من المشاهير، وقد حدثتني ابنتى أن في مدرستها طالبة حلقت نصف رأسها بالموس وتركت النصف الآخر تقليداً لبعض الفنانات! وقبل كل شيء أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم في العقائد والمفاهيم والأفكار، وليس ما تبثه الأفلام والروايات والقنوات، لقد تشوهت كثير من المفاهيم عند الشباب فبات يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بتعليم الطهارة والصلاة والصوم والحج وما شابه، وليس له دور فيما سوى ذلك من شؤون الحياة. وهذا هو سبب إقبال هؤلاء الشباب على الصلاة والصيام والمناسبات الإسلامية، مع انفصالهم عن بقية الأحكام الشرعية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فمثلاً علاقات هؤلاء الشباب والفتيات على مقاعد الدراسة وفي مواقع العمل وطريقة احتفالاتهم ولقاءاتهم لا تحفل بمراعاة السنة النبوية، أليس هذا مولدا بلا حمص! وفي جوانب المال والاقتصاد لا تراعى الأحكام الشرعية من الحلال والحرام في مواصفات الوظيفة أو كون الراتب حلالا لا شبهة فيه، أو خوض تجارة محرمة، أو الغرق في القروض الربوية من شراء الحذاء حتى شراء الشقة، أو يكون ترسا في منظومة الفساد بلا مبالاة، أليس هذا مولدا بلا حمص! وفي جوانب السياسة نرى بعضهم يؤمن بمبادئ الانتهازية والعنصرية، أو يفرط في الحقوق الشرعية للأمة، أو ينخرط في التضييق على دين الله عز وجل ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، أليس هذا مولدا بلا حمص! إن حب النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان، وهذا الحب ليس توزيع حلوى وبعض المدائح، هذا الحب هو اتباع واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في كل جوانب رسالته ودعوته، ولا يتحقق هذا الحب إلا بأمرين، هما: 1- تعلم سيرته وسنته ورسالته صلى الله عليه وسلم، بشكل صحيح ومن مصدر موثوق، وهذا أمر سهل اليوم، فقد قام العلماء بجهود عظيمة لتسهيل تعلم الإسلام بمختلف اللغات وبمختلف الوسائل. والوصول للمعلومة الصحيحة معياره طلب الدليل الشرعي من القرآن والسنة الصحيحة، فمَن استخدم هذا الميزان نجا من غالب المعلومات الخاطئة والبدع والضلالات، لإنها تفتقد للدليل والسند الشرعي. 2- العمل بمقتضى العلم الصحيح، وإلا فما قيمة هذا الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تتعلم سيرته وسنته ورسالته ولا تعمل بها؟ فالله عز وجل جعل الثواب بالجنة والعقاب بالنار مرتبطا بالعمل الصالح، والآيات في ذلك كثيرة جداً، قال تعالى: "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون" (الزخرف: 72)، ومنها قوله تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" (الكهف: 110)، فالعمل بالسنة النبوية هو الثمرة الحقيقية لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم. ألا ترى أن حب بعض الفتيان للاعبين والمغنين يجعلهم يقلدونهم في أشكالهم وحركاتهم، ويلبسون ثيابهم المفضلة، ويعرفون دقائق حياتهم من حيث لونهم المفضل وطعامهم وشرابهم المحبب، ويتابعون أخبارهم ويبحثون عن أي شيء يتعلق بهم، صورهم تجدها على صدورهم وجدرانهم، هذا هو الحب وحقيقته. أما أن يجتمع البعض في (بارتي) يغنون ويأكلون ويشربون، ويزعمون حب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مولد بلا حمص!