يتأكد لى يوماً بعد يوم أن الإخوان لا يستطيعون العيش إلا فى ظل الاضطهاد، وأنهم كالممثل الفاشل الذى لا يجيد تمثيل إلا دور واحد، لا يستطيعون أداء أى دور آخر.
لقد أجاد الإخوان على مدى تاريخهم لعب دور المضطهد، فحصلوا به على تعاطف الجماهير التى صدقتهم، ووقفت إلى جانبهم فى أول مرة يتقدمون فيها للحكم، وهنا بدأت المتاعب، فمع وصول الإخوان للسلطة توقعت منهم الجماهير أن يقوموا بدور جديد، وهو دور الحاكم المؤمن الذى يخشى الله، والذى سيقضى على الاستبداد والفساد، وينشر العدل والحق فى ربوع البلاد.
لكن لم تمض شهور حتى اكتشف الجمهور أن الدور الذى من أجله انتخب الإخوان ليس دورهم، وأنهم لا يجيدونه، حيث تحولوا من المضطهدين المظلومين إلى المستبدين الظالمين، فأسقطهم الشعب الذى كان قد انتخبهم قبلها بعام واحد فقط.
وتتوالى فصول الرواية، فيجد الإخوان أنفسهم بعد السقوط غير قادرين على العمل السياسى وفق قواعده المتفق عليها، فيرفضون الحوار، ويختارون العنف بديلاً عنه، وفى هذا الاختيار تعبير عن رغبة دفينة للعودة إلى الدور الوحيد الذى يجيدونه، وهو دور المضطهد، فهم يعلمون تمام العلم أن العنف الذى يمارسونه سيؤدى بهم فى النهاية إلى السجون مرة أخرى، بعد أن قتلوا وفجَّروا وأحرقوا.
واليوم وقد أوشكت حالة الطوارئ على الانتهاء، ما يعنى أن التعامل الأمنى معهم سيلتزم بقواعد القانون العادى، فقد أدركوا أن دور المضطهد قد بعد عنهم ولو قليلاً، لذلك أعلنوا، أمس الأول، أنهم سيكثفون من مظاهراتهم ابتداء من منتصف الليلة التى ينتهى فيها حظر التجول، فماذا يعنى هذا؟ إنه لا يعنى إلا أنهم إنما يستفزون السلطات حتى تلقى القبض عليهم أو تعود عن قرارها وتمد فترة الطوارئ.
إنها عقدة الاضطهاد، وهى حالة مرضية معروفة يقول فيها أبو علم النفس، «سيجموند فرويد»، إن المصاب بها يعمل، بوعى وبغير وعى، لدفع الآخرين لاضطهاده، وإلا اضطربت حالته، وفقد اتزانه، ولم يعرف من يكون، لأنه خرج عن الدور الذى تعود عليه، والذى لا يجيد التعامل مع الحياة من حوله إلا من خلاله.