كل المعتقدات والأديان تتعرض لإساءات تغضب أتباعها, إلا أن المسلمين وحدهم تقريبا من تأتي ردود فعلهم بهذه الحدة والعنف. وهم وحدهم من تراق دماؤهم.
وليس دماء أعدائهم, عندما يحتجون. وبأيديهم أيضا يتم تخريب ممتلكاتهم العامة والخاصة والإضرار بقضاياهم العادلة بدلا من كسب التأييد لها.
كل هذا أكدته الأزمة الأخيرة. ومع انحسارها يبقي السؤال عالقا ومحرجا: لماذا لا يتعلم المسلمون الدرس أبدا. تتشابه الازمات وتتكرر وفي كل مرة يرتكبون نفس الأخطاء. وهناك الكثير من التفسيرات المنشورة لهذه الظاهرة من وجهة النظر المصرية والإسلامية. لذلك قد يكون من المفيد أن نفسح المجال هنا لعرض وجهة نظر الطرف الآخر في الأزمة, أي الغرب, للوقوف علي تفسيره لأسباب غضبنا. لا يفهم المواطن الغربي في الحقيقة كيف ان فيلما تافها او كتابا او رسوما كاريكاتورية يمكن أن تستفز الناس للدرجة التي تدفعهم لإشعال الحرائق والصدام مع الشرطة ومهاجمة السفارات وإزهاق الارواح. غير ان المثقفين الغربيين لديهم اجابات جاهزة لتفسير السلوك الاسلامي.
من خلال متابعة عشرات المقالات التي فاضت بها الصحف الأوروبية والأمريكية منذ بداية الازمة يمكن تقسيم آراء الكتاب والمحللين هناك الي قسمين. الأول يتصدره اصحاب النظرية السائدة في اوساط اليمين الامريكي بالذات, وهي أن الاسلام في حرب مع الغرب. وأن ما جري في البلدان الاسلامية أخيرا يثبت ذلك, ويثبت أيضا ما يرددونه عن انكار الاسلام لحرية الرأي والقيم الديمقراطية. مقابل هؤلاء يوجد تيار أكثر موضوعية اعتبر ان ما حدث هو تعبير عن ازمات مكتومة في قلب العالم الاسلامي تفجرها مثل تلك الشرارات. أحد هؤلاء كان ستيفن كوك الباحث الامريكي بمعهد العلاقات الخارجية. وهو يري أن الفيلم المسيء لم يكن سببا في الأزمة ولكن مفجرا لها. ذلك أن المشكلة المسكوت عنها هي الغضب الكامن ضد امريكا بسبب مواقفها وسياساتها. وهو يختلف تماما مع ما ذهب اليه جمهوري متطرف مثل نيوت جينجريتش الرئيس السابق لمجلس النواب الذي يري أن الهجوم علي السفارة الامريكية بالقاهرة عمل من اعمال الحرب التي يخوضها المسلمون ضد الغرب.
ثمة رؤية أخري تسترعي الانتباه طرحها تقرير صغير بالعدد الأخير لمجلة الايكونوميست تقدم تفسيرا أكثر عمقا يجمع بين الرأيين السابقين. اذ تطور فكرة كوك عن انعدام ثقة المسلمين في أمريكا لأسباب تاريخية وسياسية, دون أن تسقط الاتهامات الغوغائية التي يرددها متطرفو اليمين أمثال جينجريتش. يطرح التقرير تساؤلا هو لماذا لن يهدأ المسلمون. الاجابة وجدتها المجلة في مقال مهم يعود الي 1990 بعنوان جذور الغضب الاسلامي للمستشرق والعالم السياسي الامريكي الشهير برنارد لويس احد اهم فلاسفة المحافظين الجدد. في ذلك المقال اعتبر لويس أن المسلم غاضب دائما علي الغرب بسبب الهزائم المتوالية التي عاني منها علي مدي تاريخه. الهزيمة الأولي كانت بضياع قوته بالعالم امام تعاظم قوة الغرب. والثانية تآكل قوته في بلده ذاته لانتشار الافكار وطرق الحياة الأجنبية. ثم هزيمته الثالثة, وهي القشة التي قصمت ظهر البعير, كانت داخل بيته نفسه, بعد تهديد سيادته علي اسرته نتيجة تحرر المرأة وتمرد الاطفال علي اساليب حياته التقليدية.
ليس غريبا بعد ذلك أن يري المسلم في الغرب مصدرا للشرور. الأنماط الاقتصادية الغربية لم تجلب له إلا الفقر. ولم ينتج عن النظم السياسية المستوردة سوي الديكتاتورية. اما الاسلحة الغربية فقد جاءت بالهزائم. يريد لويس أن يصارحنا بأننا عالة علي الحضارة الغربية ورغم ذلك نلعنها ونحولها لمشجب نعلق عليه فشلنا. تشخص موجع وقاسي بالفعل, لكن أخشي أن يكون صحيحا