نقرأ جميعا ومنذ فترة ليست بالقصيرة مواضيع عن صفقات عسكرية مصرية بعضها صفقات حقيقة
وبعضها غير مؤكد والبعض يبدو أنه مجرد إشاعات أو محاولات تغطية !
وربما غالبية الغموض تتركز في أخبار قواتنا الجوية وقد سبق لي كتابة موضوع عن مستقبل وإختيارات
مصر فيما يخص القوات الجوية...
ولكن السؤال الأهم هو ما هي الإستراتيجية المصرية في حتى نهاية العقد؟
والواضح أننا لكي نجيب عن هذا السؤال يجب أن ندرس التحديات والتهديدات المتوقعة في المستقبل القريب
سواء التهديدات الحدودية المباشرة أو التهديدات الإقليمية المحدودة أو التهديدات الإقليمية الواسعة التي تشمل
تدخلات من دول عظمى لأته بدراسة وتحديد هذه التحديات يمكننا أن نضع أيدينا على الخطوط العريضة
للإستراتيجية العسكرية المصرية في المرحلة القادمة وبالتالي نقترب-ولو قليلا!- من تحديد الإحتياجات المصرية
من السلاح مع الأخذ في الإعتبار أنه في الحروب تكون الحالة "مائعة" مما يعني إمكانية أن يبدأ الصراع بسيناريو
ما ثم يتطور تدريجيا لنوع أخر من السيناريوهات.
التهديدات الحدودية المباشرة:
طبعا أولها إسرائيل ...إسرائيل كانت ولاتزال وأغلب الظن أنها ستظل أكبر تهديد للأمن القومي المصري
وعلى مستويات عدة.
والسيناريوهات المتوقعة لحرب مع إسرائيل لاتخرج عن واحد من ثلاثة إثنان يدخلان في نطاق التحديات الحدودية
المباشرة وهما:
- محاولة إسرائيل تحييد مصر أو تدمير قدراتها العسكرية والصناعية لتضمن تفرد كامل في منطقة الشرق الأوسط
وقد يأتي ذلك في إطار سياسة إسرائيل التي ترتكز على تحييد الأخطار قبل أن تصل إليها فعلا مثل ما حصل مع
البرنامج النووي العراقي وفي هذا السيناريو ستعتمد إسرائيل على نظرية الحرب الخاطفة مرة أخرى بالإعتماد
على القوة الجوية وقد تدعمها القوة الصاروخية ولكن يصعب تخيل سيناريو إحتلال مساحات كبيرة من الأرض
لأن إسرائيل تعلمت من الحرب مع مصر أن المصريين قادرين على إعادة البناء ولن تنتهي الحرب حتى تستعيد
مصر أرضها -لن نترك أرضنا 40 عاما! وهذا يعني حرب إستنزاف وسيناريو الحرب الطويلة هو الأسوأ اليوم
لإسرائيل و حليفها الإستراتيجي الولايات المتحدة
-تدخل مصر بصورة منفردة للدفاع عن الفلسطينيين خصوصا في غزة وهذا السيناريو قد يتطور لحرب شاملة
ولكن الأرجح أنه سيقتصر على حرب حدودية غالبا -للأسف- ستدور داخل أو على حدود غزة وربما يكون السبب
في عدم توسع مثل هدا الصراع عدم وجود الرغبة أو الإرادة الحقيقية لدى الطرفين لتحويل الوضع لحرب شاملة
خصوصا وانه من المعروف أن مصر وإسرائيل لو دخلتا في حرب واسعة ستكون الخسائر ضخمة للطرفين وليس
فقط عسكريا ولكن إقتصاديا وبشريا أيضا مما يعني تعطيل التنمية والنمو الإقتصادي في البلدين بصورة قد تعود بهما
سنين طويلة للخلف لهذا أغلب الظن أن أي من الدولتين لن تسعى لتوسيع دائرة الصراع أو تطويرها ما لم يشعر طرف
من الطرفين أنه على وشك التعرض لخسارة إستراتيجية كبيرة .
التهديدات الإقليمية:
-أول وأخطر التهديدات الإقليمية هو ما يعرف ب"حرب الماء" وهو سيناريو كثر عنه الكلام في الفترة الأخيرة
خصوصا مع مشروع سد الألفية الأثيوبي وفي هذا السيناريو تجير مصر على إستخدام القوة لمنع تنفيذ مشاريع
مائية تهدد "بتعطيش" مصر وغالبا سيكون الإعتماد على القوات الجوية في ضرب الأهداف المحتملة كالسدود مثلا
كما قد يشمل السيناريو إستخدام القوات الخاصة سواء في الإستطلاع والمساعدة في توجيه الضربات الجوية أو في
تنفيذ عمليات تخريب أو تدمير لأهداف قد يصعب تدميرها جوا وإحتمال توسع هذا السيناريو لحرب واسعة النطاق
عبر الحدود السودانية ضعيف جدا لعدة أسباب :
أولها أن التفوق الجوي المصري قادر على تدمير البنية التحتية الأثيويبة الضعيفة أصلا في ايام
ثانيا صعوبة تدخل أطراف دولية مؤثرة في الحرب لصالح أثيوبيا فمثلا إسرائيل قد تدعم أثيوبيا
ولكنها لن تدخل حربا مباشرة مع مصر من أجل أثيوبيا!
ثالثا ان أثيوبيا لا تستطيع كسب حرب ضد مصر والسودان معا بل أن مصر قد لا تحتاج لأن ترسل
أكثر من فرقة مدرعة واحدة مع إستخدام طيرانها طبعا لدعم جيش السودان في مثل هذه الحرب
-حرب جديدة في الخليج العربي:
وطبعا العدو في مثل هذه الحرب معروف! إيران العدو الثاني لنا بعد إسرائيل وهذه الحرب قد تحدث لعدة أسباب
ولكن الأقرب هو إعتداء إيراني مباشر أو تهديد عسكري واضح و صريح لدولة أو أكثر من دول الخليج
وربما يكون الأفرب هو السعودية والبحرين والإمارات وطبعا مثل هدا السيناريو سيستوجب على مصر إرسال
قوات أكبر بكثير مما إستخدمته في حرب تحرير الكويت ضمن قوات التحالف ولابد أن يشمل قوة جوية مؤثرة
مدعومة بطائرات الإستطلاع والحرب الإليكترونية وقوة بحرية تشمل قطع بحرية ثقيلة وقطع متخصصة في
محاربة الألغام(كاسحات-صائدات) وطبعا قوة برية كبيرة وقوات خاصة .
طبعا ميزان القوة سيكون لصالح القوات العربية وبوضوح شديد ولكن هذا أمر ضروري لأن دول الخليج لديها العديد
من الأهداف الحساسة المكشوفة (أبار البترول والغاز ومصافي البترول و...)
ومع إفتقاد القيادة الإيرانية لأي معايير إنسانية أو إحترام للقانون الدولي فلابد أن نتوقع محاولات لضرب
المناطق السكانية والأهداف المدنية مما يفرض ضرورة إنهاء الحرب بسرعة أو على الأقل قطع اليد الطويلة لإيران
وتدمير معظم القدرة الهجومية للجيش الإبران وهو أمر قابل للتحقيق تماما بفضل التفوق الجوي الرهيب لصالح
القوات العربية (أنظر للقدرات الجوية السعودية والإماراتية والكويتية فقط ثم أضف المساهمة المصرية!!)
ولكن لابد أن نضيف عدة نقاط وهي أنه رغم قدرة القوات العربية على حسم هذه الحرب وفي وقت غبر طويل
إلا أن إيران قد تحاول تطويل الحرب وزيادة الخسائر العربية عن طريق إدخال عنصر الحرب البرية
ثاتي النقاط هو أن حربا كهذه يصعب أن نتخيل أن الغرب وتحديدا الولايات المتحدة قد تقف متفرجة عليها
خصوصا إذا حاولت إيران توسيع دائرة الحرب بضرب إسرائيل بالصواريخ مثلا أو حاولت الدخول بريا
لأي من دول الخليج بما فيها العراق ورغم أن التدخل الأمريكي ليس ضروريا أبد لحسم الحرب ولكن
بالتأكيد تدخلها في هذا السيناريو سيكون تسريعا للحكم بتدمير إيران كليا!!
- أخر السيناريوهات الإقليمية ولكن أكبرها هو حرب عربية إسرائلية متعددة الجبهات لإستعادة الأراضي
العربية المحتلة وفي هذا السيناريو تفتح كل الجبهات على إسرائيل سوريا ...الأردن...ومصر
ودور مصر سيكون كالعادة قيادة التحالف العربي و قد تكون جبهة مصر هي الجبهة التي تحسم الحرب
في مثل هذا السيناريو لن يقتصر التحالف العربي على دول المواجهة ولكن سيمتد ليشمل القوى العربية
كلها وعلى رأسها السعودية والجزائر ولكن يجب أن لا ننسى انه في مثل هذا السيناريو سيكمن هناك تدخل أمريكي
شامل لهذا فالحرب ستخاض على عدة جبهات سياسية و إقتصادية بجانب الجبهة العسكرية طبعا
وأسباب حدوث مثل هذا السيناريو قد تكون صراعا محدودا بين مصر وإسرائيل يتطور ليصل إلى الحرب
الشاملة ثم يكتمل ليصبح حربا عربية-إسرائيلية متعددة الجبهات.
كما يمكن أن يحدث هذا السيناريو إذا ما أقدمت إسرائيل على عمل مجنون شديد الضخامة مثل هدم المسجد الأقصى!
في كل الأحوال هذا السيناريو هو الأكبر والأصعب ليس لقوة إسرائيل فقط ولكن للحجم المتوقع للتدخل الأمريكي!
لو نظرنا لهذه التهديدات والسيناريوهات يمكن أن نبدأ في فهم الإختيرات العسكرية الإستراتيجية المطروحة لمصر
إستراتيجية الحصن المنيع:
ويقصد بها تقوية وتطوير القدرات الدفاعية المصرية جوا وبرا و بحرا بحيث تصبح مصر قوة عسكرية دفاعية
قادرة على صد أي هجوم من أي نوع ومن أي جهة وتكبيد المهاجم خسائر فادحة .
هذه الإستراتيجية تعتمد على وجود نظام دفاع جوي قوي جدا ومركب ليغطي كل شبر في مصر وقادر على
مواجهة كل أنواع التهديدات سواء طيران معادي أو صواريخ بالستية أو صواريخ كرروز ومدعوم بطيران
يمتلك قدرات إعتراضية عالية جدا سواء من حيث نوع وكم الطائرات أو من حيث درجة تدريب الطيارين
كما يجب أن تمتلك مصر نظاما للدفاع الساحلي قادر على صد أي تهديد بحري للسواحل المصرية وطبعا
أسطول قوي موجه أساسا للعمل بالقرب من السواحل المصرية
أما بريا فلابد من وجود قوات برية كبيرة الحجم وحديثة التسليح وتتمتع بمستوى عالي من الكفائة لكي نشكل
رادعا لأي عدو قد يفكر في إختراق الحدود البرية المصرية
إسترايجية الذراع الطويلة:
وهي تتركز على إعطاء مصر القدرة على بدء حرب هجومية شاملة وكذلك القدرة على خوض نزاعات
إقليمية بعيدة عن الحدود والأراضي المصرية بصورة منفردة أو بالإشتراك مع دول أخرى وفي هذه الحالة
لابد من لأن تمتلك مصر أدوات مختلفة قادرة على نقل الصراع لقلب العدو وتشمل:
- قدرات صاروخية كبيرة من حيث المدى والدقة وأيضا الكم
- قدرات جوية هجومية ذات مدى بعيد قادرة على القيام بعمليات مركزة في عمق أرض العدو حتى لو كان
العدولا يشترك معنا في حدود و تفصلنا عنه مسافة ليست بالقصيرة
- قدرة جوية عالية على فرض السيطرة الجوية فوق ميدان المعركة البعيد عن سماء وحدود مصر
- قوات إتشار سريع أو قوات محمولة جوا قادرة على الإنتشار في ميدان معركة بعيد عن أرض أو حدود الوطن
- قوات بحرية كبيرة قادرة على القيام بعمليات عسكرية لمدد غير قصيرة بعيدا عن موانئ مصر دون الإخلال
بالقدرات الدفاعية الأساسية عن السواحل المصرية طبعا!
وحتى نوضح الفروق أكثر لنتكلم عن أنواع اسلحة مقترحة تناسب كل إستراتيجية
-في الإستراتيجية الدفاعية لن تحتاج مصر لإمتلاك الكثير الطائرات المقاتلة الأثقل ذات المدى الكبير وربما يكون
من الأفضل التركيز على طائرات متعددة المهام و طائرات إعتراض حديثة أصغر مثل الميج35 الروسية مثلا
- لن تكون هناك حاجة لطائرات التزويد بالوقود جوا
- لابد من دعم نظم الدفاع ضد الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز (S400 يبدو إختيارا جذابا!)
- تقوية وزيادة نظم الدفاع الساحلي بما في ذلك الصواريخ أرض-سطح والمروحيات المضادة للغواصات
بينما في حالة الإستراتيجية الهجومية (إن صح التعبير) مصر ستكون بحاجة لنوعيات أخرى من نظم التسليح
- لابد من إمتلاك عدد "كافي" من مقاتلات التفوق الجوي ذات المدى الطويل (Su35 مثلا!)
- ضرورة وجود طائرات إختراق وليس فقط الطائرات متعددة المهام مثل (F-16) ومرة أخرى السوخوي
تبدو خيارا جذابا (Su-34) !
- طائرات الصهريج ليست محل نقاش في حالة تبني إستراتيجية الذراع الطويلة (iL-78) هي خيار مقبول جدا
- زيادة قدرات أسطول النقل الجوي بحيث يدعم إ نفل قوات "مؤثرة" محمولة جوا فمثلا لابد من إمتلاك عدد كافي
من طائرات نقل ثقيل قادرة على حمل دبابات القتال الرئيسية الموجودة في الجيش المصري
- زيادة القدرات الصاروخية المصرية بحيث تصبح لدى مصر قوة صواريخ بالستية مؤثرة.
- زيادة عدد الغواصات ذات المدى البعيد والقادرة على البقاء في المياه بعيدا عن الساحل لفترات طويلة وقد سمعت
كثيرا عن صفقة الكيلو الروسية وهي خيار جيد خصوصا الطراز المطور منها.
- دعم قوات الإتشار السريع المصرية والقوات المحمولة جوا
- زيادة عدد دبابات القتال الرئيسية لضمان قوة نيران متحرك أو "ديناميكية" كبيرة قادرة على شن هجمات
كبيرة على خطوط دفاع العدو
حسنا أي الإتجاهين مناسب لمصر أكثر؟
في رأيي ان اي من الفكرين ليس قرأنا منزلا فممكن أن تتبنى إستراتيجية معينة مع إضافة أحدى النقاط من
الأخرى على سبيل المثال يمكن انت تتبنى إستراتيجية الحصن المنيع ولكن تمتلك قدرة صاروخية هجومية كبيرة
تستخدم كرادع للأعداء المحتملين
ولكن لو نظرنا للتهديدات التي تهدد مصر اليوم سنجد أن دائرة الأمن القومي المصري متسعة بحيث
اصبح يدخل فيها الخليج العربي وتصل للقرن الأفريقي دفاعا عن حقوقنا المائية بجانب طبعا وجود إسرائيل
على حدودنا الشرقية ويبدو لي أن مصر بحاجة لأن تتبنى اساسا إستراتيجية الذراع الطويلة مع دعمها أو
مع إضافة عنصر اساسي من إستراتيجية الحصن المنيع وهو الدفاع الأرضي القوي و المركب وذلك
نظرا لكثافة التهديدات الجوية سواء من إسرائيل أو من الأسطول الأمريكي في المتوسط أو حتى من
الصواريخ الإيرانية.
كما أن هذه الإستراتيجية هي التي يمكن أن تدعم السياسة المصرية الجديدة والدور القيادي الذي تعتمد
الدول العربية على مصر لتؤديه خصوصا في ظل تغير معادلات السياسة الدولية بعد ان أصبحت القوة العسكرية
أحد أكثر الوسائل إستخداما فعليا لدعم أو فرض السياسات الخارجية للدول وحماية المصالح الإستراتيجية.
ولابد ان ندرك ان ذلك لا يعني فقط شراء أنواع معينة من الطائرات و الغواصات ولكن يمتد لتغييرات
في العقيدة العسكرية للجيش المصري بحيث تتلائم مع هذه الإستراتيجة ومع التحديات المتوقعة في المستقبل.
ومصر بعد الثورة مهيئة تماما لكي تطور إستراتيجياتها العسكرية بحيث تصبح أكثر ملائمة للدورالكبير الذي
سيكون على مصر أن تلعبه.
هذه مجرد بداية لمناقشات عديدة قادمة في ما يخص الإستراتيجيات العسكرية المصرية وما يبنى عليها
من سياسات تسليحية وأيضا سأبدا قريبا جدا في طرح السيناريوهات التي ذكرتها هنا بسرعة كل
على حدة وبالتفصيل لكي نناقشها كلنا معا...
وفي إنتظار أرائكم ونقاشاتكم