لاحظت ثلاث ظواهر شعبية مترابطة، الأولى: حب السيسى باعتباره البطل المنقذ والرئيس القادم، والذى يجب أن يقود الوطن ويخرجه من أزمته. لكن تعلق وشغف الشارع بالسيسى ربما يخلق ضغوطًا غير مرئية على الرجل نفسه، لأن عليه أن يتجاوب مع الشعب، ويحقق أحلامه وأمنياته فى استعادة الأمن وتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية. المشكلة أن السيسى - البطل الشعبى - لا يحكم بشكل كامل، فهناك حكومة يمينية التوجه وبطيئة الاداء، وعليها تقع مسؤولية تخفيف مشاكل الناس، والمفارقة أن أى تحسن فى الأوضاع المعيشية سيحسب لصالح السيسى، بينما أى فشل سيرجع إلى وزارة الببلاوى ما قد يدفع الشعب إلى المطالبة بوزارة يترأسها السيسى مثلا، أو بانتخاب السيسى رئيسا.
لكن السيسى جنرال مثقف وقارئ للتاريخ، لذلك يعرف أنه من الصعب حل مشاكل الناس فى عدة شهور، كما أن أوضاع الاقتصاد لا تسمح بتقديم مكاسب مجانية للفقراء بدون زيادة فى الانتاج. لكن اعتقد انه من الممكن الآن رفع الحد الادنى للاجور، وفرض انواع من الرقابة على الاسعار فى الاسواق من خلال وضع هامش للارباح على السلع والخدمات، أى أن هناك حلولا لتحسين أوضاع اغلبية الشعب.
الظاهرة الثانية: كراهية الإخوان للدرجة التى شجعت كثيرا من المواطنين على الدخول فى معارك ضد الإخوان، وقبول وتبرير استخدام العنف المفرط ضدهم، وربما المطالبة بالمزيد، والثابت أن كراهية الإخوان هى نتيجة طبيعية لسوء إدارة مرسى للدولة، وانحيازه لاهله وعشيرته الإخوانية، وعدم الوفاء بالوعود التى قطعها للشعب، مما عمق شعور المصريين بالخديعة، علاوة على تدهور الأوضاع المعيشية وتدهور الخدمات، والشحن الإعلامى ضد الإخوان. والغريب أن كراهية الإخوان جاءت بعد أن منحهم الشعب ثقته فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو تحول سريع يحتاج إلى دراسات اجتماعية ونفسية، خاصة أن الكراهية الشعبية للإخوان قد تعرقل أى محاولة جادة للمصالحة الوطنية، كما أن هذه الكراهية هى التى فجرت طاقة الحب والتعلق الهائل بالسيسى باعتباره مخلص الوطن من الأخوانة والإخوان.
الظاهرة الثالثة: العداء لكل ما هو غربى، وتركى، وقطرى كرد فعل لمواقف تلك الاطراف من تحرك الجيش وتدخلهم فى الشأن المصرى، مما اعتبر مساسا بالوطنية المصرية وتحديًا لمشاعر اغلبية المصريين، أى اننا ازاء رد فعل شعبى طبيعي، لكن الإعلام وبعض افراد النخبة استغلوا الوضع، ونفخوا فى نيران التعصب والكراهية للآخر الاجنبى، وروجوا لنظرية المؤامرة لتفسير الاحداث، فهذه الدول تخطط إما لتقسيم مصر أو احتلالها، وبالتالى لا بد من قطع العلاقات معها، ورفض ما تقدمه من معونات ومساعدات!! هكذا خسر الإعلام العام والخاص عقله، ولم يلعب الدور المطلوب والذى تمليه المصلحة الوطنية فى عقلنة وترشيد المشاعر الشعبية وتوظيفها فى الاتجاه السليم، وقناعتى انه من المستحيل عمليا الدخول فى عداوات دائمة مع كل هذه الدول، والتحريض عليها، لاننا نحتاج اليها بقدر احتياجها لدور ومكانة مصر، وقد تحدث خلافات لكن لا بد أن تبقى كذلك ولا تتحول إلى عداوات وحروب كلامية، ستنتهى سريعا وتعود علاقتنا الطيبة بهذه الدول، وساعتها سيفقد الإعلام وبعض المثقفين المحرضين الكثير من احترامهم ومصداقتهم عند الرأى العام.