في الثاني من إبريل لعام 2012 الماضي، كتب فهمي هويدي مقالاً في صحيفة الشروق يعلق فيه على قرار جماعة الإخوان المسلمين خوض انتخابات رئاسة الجمهورية بعد أن كانت قد أعلنت عزوفها عن ذلك القرار وتعهدت أمام الرأي العام بأنها لن تخوض تلك الانتخابات ولدورتين رئاسيتين مقبلتين على الأقل، وأذكر أني كتبت يومها منتقدًا الجماعة، واعتبرت أن هذا القرار يفقدها مصداقيتها أمام الرأي العام لأنها لا عهد لها ولا التزام، فهمي أبدى استياءه وقلقه الشديد من تلك المخاطرة واعتبرها فخًا وقعت فيه الجماعة، وجعل عنوان مقاله "وقعوا في الفخ"، وقال فيه: "لم أقتنع بالحجج التى ساقها الإخوان لتبرير دفعهم بمرشح من بينهم لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية. وكنت قد تحفظت من قبل على قيامهم بتشكيل الحكومة فيما اعتبرته «مغامرة» محفوفة بالمخاطر. إلا أن ما قيل أمس الأول عن الترشح للرئاسة يرفع من درجة التحفظ حتى يضاعفه"، ثم طرح هويدي عدة تساؤلات قال فيها: "هل أقدمت قيادة الإخوان على هذه الخطوة دون أى تشاور أو تفاهم مع المجلس العسكرى؟ إذا كان الرد بالإيجاب فمن حقنا أن نعرف مضمون ذلك التفاهم وحدوده. أما إذا كان الرد بالنفى، فهل الإخوان جاهزون للصدام مع المجلس العسكري وفى تحمل تداعيات وفاتورة ذلك الصدام؟ وما المصلحة الوطنية فى ذلك"؟ ثم أضاف هويدي تساؤله: "كيف مر على الإخوان أن الجماعة الوطنية المصرية، بل والمجتمع المصري بأسره يمكن أن يحتملوا فى وقت واحد رئاستهم لمجلسي الشعب والشورى والجمعية التأسيسية للدستور ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية أيضًا؟ وكيف يقتنع الرأي العام بحديثهم عن المشاركة أو عن زهدهم في السلطة"؟ وأضاف هويدي أيضًا استغرابه: "ألم يخطر ببال الإخوان أن بعض الدول العربية تتوجس منهم، وبعضها مشتبك معهم، والبعض الآخر يساند آخرين لا يمثلونهم"؟ ثم ختم هويدي مقاله الفريد، وكان فيه ناصحًا أمينًا مخلصًا، ختمه بقوله: "في مقام سابق قلت إن الإخوان يتعرضون لثلاثة أنواع من الفتن، فتنة السلطة، وفتنة الأغلبية وفتنة الأضواء. وفى حين حذرت من الاستسلام لأي من تلك الفتن، فإنني فوجئت الآن بأنهم وقعوا فيها جميعًا ــ وفى مقام آخر قلت إن الذين يكرهون الإخوان يريدون توريطهم في استلام السلطة ويتمنون أن يغرقوا في مستنقع مشكلاتها المستعصية. وحين سئلت أخيرًا عن رأيي فيما أعلنوه أمس الأول قلت إنهم وقعوا في الفخ، وحققوا لخصومهم ما تمنوه لهم، وهو أمر يصعب تصديقه، حتى يكاد يشك المرء في أن ما حدث من أوله إلى آخره ليس أكثر من كذبة إبريل التي أراد الإخوان أن يداعبونا بها"! في أعقاب نشر المقال كتب القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي على صفحته بالـ"فيس بوك" يؤكد إحساسه بأن الجماعة بالفعل "وقعت في الفخ" وقال: «إنه من الظلم للوطن وللإخوان المسلمين أن يتحملوا وحدهم مسؤولية الوطن كاملة (شعب وشورى وجمعية الدستور والحكومة ورئاسة الجمهورية)، في تلك الظروف الحرجة، وبعد أن أكد أنه يؤمن جملة وتفصيلاً بما ورد في مقال هويدي، أضاف قائلاً: "الأسباب التي جاءت في المقال هي ذاتها التي ذكرتها لإخواني في اجتماع الهيئة العليا للحزب"، البلتاجي الذي استشعر حجم الورطة مبكرًا قال إنه: "يحترم رأي الأغلبية من إخوانه الذين رأوا غير ذلك، ويعرف إخلاصهم ويتفهم أسبابهم، ولكنه في غاية القلق على مستقبل الوطن ومستقبل المشروع الإسلامي الذي يرى أن أطرافًا تسعى لتوريطه وإفشال تجربته لتتخلص منه سريعًا، بعد أن عاشت الأمة أجيالًا وراء أجيال تُعلق عليه آمالًا وتنتظر أن يأخذ فرصته ليقيل الأمة من عثرتها ويحقق لها نهضتها"، وختم البلتاجي بتأكيده أن كل ما يملكه الآن أن يحذر إخوانه من هذا التوريط، مضيفًا: «أنصح أن يتحسسوا مواضع أقدامهم, وألزم نفسي بذلك حتى ينقشع الغبار قريبًا وتنجلي المصلحة الوطنية، فأنحاز لها أيما كانت وأشهد لها على مثل ضوء الشمس». هذا الكلام نشر قبل حوالي ستة عشر شهرًا، وقبل وصول مرسي للسلطة بحوالي ثلاثة أشهر، ويومها أعطونا المواعظ والدروس والحكم عن أن "قيادة الجماعة" تعرف ما لا نعرف، ولديها من المعلومات والأسرار ما لا نعرف، وخبراتهم وأمانتهم للدعوة فوق أي شبهة، وأننا مجرد مثبطين للهمم العالية ومعوقين للمشروع الإسلامي، واليوم، أظن أن الجميع يبصم بالعشرة أن الجماعة وقعت في الفخ، وليس المهم الآن إثبات تلك الفرضية من عدمها، فالوقت فات، ولكن الأهم أن يعرفوا كيف يخرجون من الفخ بأقل الأضرار والخسائر.