ما يضر الولايات المتحدة الأمريكية ينفع روسيا، والعكس صحيح، هي قاعدة الحرب الباردة بين البلدين والتي يظن البعض أنها انتهت منذ عقود ولكن الشواهد تدل على خروجها من قبر التاريخ مرة أخرى.
اعتقد البعض بأن الحرب الباردة انتهت مع تفكيك الاتحاد السوفيتي وإنهاء هيمنته على العالم في عام 1991 وعلو أمريكا كدولة عظمى وحيدة ومتحكمة في الرأي العام العالمي، إلا أن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أعاد مرة أخرى ذكريات الحرب بين الجانبين.
فمع عودة بوتين في 2012 لسدة الحكم في روسيا خلفاً لصديقه ميدفيدف عادت الحرب الباردة مرة أخرى مع الولايات المتحدة الأمريكية فلم يتفق هو والرئيس الأمريكي باراك أوباما على وجهة نظر مشتركة حول الأحداث العالمية فكلاهما على طرفي النقيض وذلك في عدد من القضايا المختلفة خلال السنة التي مرت على حكم بوتين.
ولعل أبرز القضايا التي أظهرت الخلاف و العودة إلى الحرب الباردة مرة أخرى هي قضية إدوارد سنودن الذي كشف عن برامج المراقبة الأمريكية للمواطنين واحتضنته روسيا عقب فراره من الولايات المتحدة الأمريكية بعد مطالبات بمحاكمته، وتطور الأمر لعرض موسكو عليه اللجوء السياسي إليها ضاربة بكل المطالبات الأمريكية بتسليمه عرض الحائط.
كما قامت روسيا بطرد دبلوماسي أمريكي منتصف مايو الماضي لتورطه بنشاط بينما اكتفت واشنطن بالنفي فقط دون اتخاذ أي موقف قوي من الحدث.
وظهرت لعبة القط والفار بوضوح بين أوباما وبوتين مع توصيفها للأحداث التي شهدتها مصر خلال 30 يونيو والتي لم تصفها الولايات المتحدة بالانقلاب الصريح، ومارست الضغوط على القيادات المصرية من أجل الإفراج عن الرئيس محمد مرسي.
فيما واصل الدب الروسي دعمه لثورة الشعب المصري في 30 يونيو، بل وعرضت روسيا صفقات من الأسلحة على مصر في حالة رفع المعونة الأمريكية عن مصر لتتراجع الولايات الأمريكية عن موقفها الأولي من الثورة المصرية خوفاً من أن يمنح بوتين مصر أفضلية في التسليح على حليفهم الاستراتيجي إسرائيل.
و"الدفاع عن دمشق كأنه الدفاع عن موسكو" فسوريا تعتبر أخر قلاعها بالشرق الأوسط والتي بانهيارها تنتهي أحلام موسكو باستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي السابقة.
وكانت شرارة الثورة السورية بدأت في فبراير 2011 مهددة بالإطاحة بنظام بشار الأسد الموالي لروسيا وتوالت ردود الأفعال الدولية المطالبة بالإصلاح وإدانة القمع، ودعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما نظيره بشار الأسد أن يقود التحول في بلده أو يتنحى جانبا، في حين تبنت روسيا جبهة المواجه لأمريكا برفضها مشروع قرار يدين سوريا بمجلس الأمن مهددة باستخدام حق الفيتو.
واشتعلت حدة الخلاف بين أمريكا وروسيا عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أن نظام بشار الأسد قد فقد شرعيته، وبدأت واشنطن في تقديم السلاح للمعارضة السورية والذي شمل أسلحة صغيرة وذخيرة وأسلحة مضادة للدبابات لمساعدتها على مواصلة القتال ضد قوات الأسد، في حين تحسنت كفاءة الجيش السوري التابع لبشار الأسد وأنظمته العسكرية بسبب الدعم العسكري من إيران وروسيا.
ومن أهم المؤشرات التي تفيد بوجود الحرب الباردة بين الطرفين الآن هو إلغاء اللقاء الذي كان من المزمع عقده بين أوباما وبوتين، واكتفاء الرئيس الأمريكي بوصف الدب المخضرم سياسياً بوتين بالطفل الذي لا يبالي بشيء مما ينذر بوجود خلاف قوي بين الدولتين الكبيرتين.