معظمنا شعر بالراحة النسبية فى 30 يونيو الماضى حينما عادت الشرطة إلى الشعب بعد طول غياب وانكسار.
فى هذا اليوم تم حل مشكلة كانت كبيرة ومستعصية، وراهنا على ان الماضى بكل عيوبه قد ولى.
لكن المشكلة لا تكمن فى الشعارات بل فيما يتم ممارسته على ارض الواقع. لا ينكر إلا جاحد ان الشرطة تتحمل العبء الأكبر الآن فى المواجهة الشرسة بين الدولة وجماعة الإخوان وبعض أنصارها.
كنا نأمل ان تكون المواجهة سياسية بالاساس، لكن حدث ما حدث.. الدولة بغالبية قطاعاتها ماتزال مختفية، والشرطة وحدها هى الموجودة فى المواجهة، وهى لا تعرف إلا طريقة عمل واحدة لم تتغير منذ عقود. فى الممارسة على الأرض فإن هناك كوارث كثيرة قد حدثت بدءا من حادث المنصة أو طريق النصر مرورا بعملية أبوزعبل ونهاية بأحداث يوم الأحد 6 أكتوبر، فى كل هذه المواجهات سال دم كثير كان يمكن تجنب معظمه لو كانت هناك مهنية.
سألت مسئولا حكوميا بارزا ليعلق على قتل الشرطة لـ27 مسجونا إخوانيا فى سيارة ترحيلات أبوزعبل: هل وصل انعدام الكفاءة إلى حد وجود روايات مضحكة للحادث، مثل وجود قناصة خرجوا من الزراعات وأطلقوا النار على الشرطة ثم تبين ان الأمر كله دار داخل مجمع السجون؟!.
الرجل كان واضحا وأمينا، حينما قال لى بوضوح: نعم هناك مشكلة تتعلق بالامكانيات وقلة الخبرة والتدريب والوعى، وانشغال الوزارة لسنوات طويلة فى حماية الحاكم وليس حماية الشعب، والضربة العنيفة التى تلقتها المؤسسة وأفرادها فى 25 يناير 2011، الأمر الذى أدى إلى إهمال الأمن الجنائى وهو ما يفسر لنا زيادة البلطجة والجرائم.
الآن يبدو أن قطاعات كثيرة داخل وزارة الداخلية نست كل تجربة 25 يناير وتحاول تكرار نفس تجربة مبارك، سواء كان الأمر بحسن أو سوء نية.
يعتقد بعض هؤلاء ان انتهاك القانون مبرر طالما كان هناك هدف نبيل من وجهة نظرهم وهو القضاء على الإخوان، وتلك كارثة، لانه بعد انجاز الهدف وهو أمر مشكوك فيه سوف يستدير أصحاب نظرية القبضة الأمنية للاجهاز على فصيل سياسى آخر بحجة انه ضد الثورة وسينتهى الأمر إلى حروب مماليك كما كان يحدث فى آخر أيام دولة مبارك القمعية.
لا شىء يبرر انتهاك القانون وحقوق الإنسان والحريات بصفة عامة، لان هذه هى المكاسب الجوهرية لثورة 25 يناير، والطبيعى ان ثورة 30 يونيو جاءت لوقف اخونة المجتمع وحرمان المصريين من هذه المكتسبات، فلا يعقل ان نحرم الإخوان منها ثم نحرم الآخرين، وينتهى الأمر بحاكم فرد مؤله.
اغراء الاندفاع إلى لغة البطش بحجة الامن تم تجريبها كثيرا فى مصر وخارجها، لكنها فشلت جميعا، خصوصا حينما تغيب أيضا العدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية.
من موقع الحرص على مؤسسة الشرطة نسأل قادتها سؤالا مباشرا نرجو ان يجيبوا عنه بوضوح وصراحة هو: هل الأفضل ان تتعبوا قليلا وتجتهدوا وتغيروا الصورة النمطية عنكم وتطبقوا عقيدة مهنية جديدة قولا لا فعلا، وتصبحوا جزءا من مصر الجديدة، أم تستمروا على «القديم» وتتفاجأوا ذات يوم طال أم قصر بالشعب أو جزء منه وقد خرج مرة أخرى يحرق الأقسام والمديريات، ويتعامل معكم باعتباركم الخصم مرة أخرى.