عادة ما تكون وتيرة التغيير في البلدان الدكتاتورية مهمة شبه مستحيلة, لولا رجال شجعان جازفوا وضحوا بأرواحهم وحريتهم, لتخليص بلادهم من أغلال الشمولية,
وحكم الفرد, والفقر والعوز الاقتصادي, فظهر في لحظة فارقة ميخائيل جورباتشوف في الاتحاد السوفيتي السابق, وليخ فاونسا في بولندا, وفاتسلاف هافيل في تشيكوسلوفاكيا سابقا, وشياو بنج في الصين. غير أن الحرمان كان من نصيب دول أخري كتب علي جبين شعوبها ـ حتي ساعتنا تلك ـ الالتصاق مجبرة بأنظمة لا تساير حركة التحول في الألفية الثالثة, وتخاصم التغيير وتحاربه بما اوتيت من قوة وعزيمة, ومنها كوريا الشمالية التي تفضل نار الشيوعية علي جنة التعددية والديمقراطية.
فالشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية قضية حاضرة دوما علي جدول قادة العالم خلال لقاءاتهم المتواصلة, ولم ينجحوا بعد في تليين مواقفها المتصلبة إزاء التخلي عن طموحاتها النووية, وفتح حصونها المغلقة والتواصل مع محيطها الاقليمي والدولي بايجابية بمنأي عن خطاب التهديد والوعيد, وفكر أن الكل يتآمر علي بيونج يانج. وبما أن القوي الدولية والإقليمية في شمال شرق آسيا فشلت ـ حتي الآن ـ في مساعيها لتسوية الأزمة النووية الكورية, فإنها مضرة للبحث عن بدائل لخياراتها المجربة سلفا والموزعة بين ثلاثة اضطلاع, هي الاحتواء والردع والضغط, والتي لم يتمخض عنها بعد نتيجة تبشر بأن كوريا الشمالية مستعدة لمغادرة شرنقة عزلتها الاختيارية.
وبما أن الحال كذلك فإن صناع القرار في العواصم الكبري لا يأملون سوي في تغيير من داخل النظام الكوري الشمالي, واعتبروا تولي الوريث كيم جونج أون زعامة الشطر الشمالي, قد يكون بارقة الأمل المنتظرة منذ سنوات عجاف, خاصة أنه أبدي أبان شهوره الاولي من توليه السلطة من المظاهر ما يشي بأنه مختلف عن أبيه الراحل كيم جونج آيل, مثل ظهوره في الأماكن العامة ترافقه زوجته الشابة, والكشف عن تفاصيل عن حياته الشخصية كانت تعد سرا من أسرار الدولة العليا مسموح فقط لصفوة المسئولين الاطلاع عليها. بالإضافة إلي أن كيم جونج أون أجري تغييرات في قيادة الجيش ومناصب أخري, لكن هل تكفي هذه التصرفات الشكلية لتوقع حدوث تغيير في واحدة من بين دولة قليلة لا تزال تؤمن بالشيوعية التي انهارت وقوضت دعائمها في عالمنا المعاصر؟
واقعيا فإن كيم جونج أون غير قادر علي إحداث النقلة المرتقبة, لكي تستريح الولايات المتحدة ومعها الدول الحليفة لها في المنطقة كاليابان وكوريا الجنوبية, لأنه حديث العهد بالسلطة ولم تترسخ أقدامه فيها بعد, ولا يمكننا الزعم بأنه صاحب قرار في ظل وجود عدة أشخاص من عائلته يحكمون سيطرتهم علي آليات صنع القرار, ولا يجيدون فنون الأخذ والرد مع دعوات ومواطن قلق المجتمع, ولذلك يفضلون الطريق السهل, وهو منهج التشدد والرفض علي طول الخط.
بخلاف أن الزعيم الشاب الذي لم يكمل الثلاثين ربيعا بعد أول العارفين بأن الأساس للتغيير في بلاده سيكون حرمان عائلته من السلطة وابتعادها عنها تماما بكل ما فيها من تسلط ومميزات غير محدودة السقف, ولا أظن انه مستعد لمثل هذه التضحية الجسيمة, أضف أيضا أن كيم جونج أون يعتقد باستطاعته النجاة بالنظام الشيوعي كما ورثه عن والده الذي تمكن من مراوغة المجتمع الدولي, والحصول منه علي مساعدات اقتصادية ومالية تحتاجها بلاده بدون تقديم تنازلات يعتد بها, وبالتالي يمكنه متابعة السير علي نفس الطريق, ونشير في هذا الموضع إلي أن أصدقاء بيونج يانج القريبين كالصين لم يعد لهم تأثير كبير علي حاكم الشطر الشمالي.
أيعني ذلك أن العالم وصل إلي طريق مسدود مع كوريا الشمالية؟
نظريا نعم, لكن من الناحية العملية يتبقي خيار أخير بالتحاور مع كيم جونج أون من منطلق أنه من الأفضل له ولوطنه الانفتاح علي العالم والتعامل معه كعضو يقدر مسئولياته وواجباته بحكم الانتماء للأسرة الدولية, والبدء في تغيير تدريجي, وأن لا احد يسعي لإسقاط نظامه العقيم, وإلي حين تحقق ذلك سيظل حلم التغيير في بيونج يانج معلقا.
الرئيسية 
