انتهت مرحلة الاستفتاء على الدستور، وجاءت النتيجة بتأييد الغالبية له، و بدأت مرحلة مهمة، وهي إعداد القوانين للمبادئ المنصوص عليها دستورياً. وبما أن الدستور يحتوى على مواد تخص وسائل الإعلام ودورها، فيجب الاهتمام بالقوانين التى ستقوم بتفصيل تلك المواد وتحديد دورها .
ومن أهم المواد التى نص عليها هذا الدستور، ولم ينص عليها من قبل أى من الدساتير المصرية- إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام المسموع والمرئي. وهنا يجب التنويه إلى بعض التحديات التي قد تواجه عمل المجلس و الهيئتين، وعلي القانون تحديدها.
أولاً: يجب أن يكون هناك تحديد دقيق وتفصيلى فى واجبات ومسؤوليات كل من المجلس والهيئات، حتى لا يحدث تضارب فى الاختصاصات، ومن ثم تعطيل للمهام التى يقوم بها كل من المجلس أو الهيئة.
كما أن تشكيل المجلس (مَن هم الأعضاء، و طرق تعيينهم، ومدة التعيين، والمساءلة) من أهم التحديات التي تواجه البلاد في المراحل الانتقالية والتحول الديمقراطي، ويجب النص عليها بدقة وحرص، حتي يمارس استقلاليته الإدارية، كما نص الدستور. ففي جنوب أفريقيا يتم اختيار مجلس الأمناء للمجلس التنظيمي، من خلال ترشيحات يقوم بها الشعب، ثم يقوم البرلمان بعمل قائمة بأفضل الأسماء (على ثلثي المجلس لاختيار الأعضاء لضمان مشاركة الأحزاب المعارضة و عدم سيطرة الحزب الحاكم علي الاختيارات). و تتم مقابلتهم في جلسات علنية لضمان الشفافية وعدم التحيز في الاختيار. أما في ألمانيا، فيتم أختيار جميع الأعضاء، من خلال هيئات المجتمع المدني.
نأتي للنقطة الثانية: وهي تختص بضرورة وجود آليات لتمويل هذا المجلس تضمن عدم التدخل الحكومى، من خلال الدعم وعدم سيطرة رؤوس الأموال، وبالتالى لا يستطيع ممارسة مهامه باستقلالية. فعلى سبيل المثال يوجد فى إندونسيا مجلس لتنظيم الصحافة و آخر لتنظيم الإعلام المسموع والمرئى، وكلاهما يمول من قبل الحكومة (يعنى كأنهم مؤسستان حكوميتان). فقد يكون تخصيص مبلغ ثابت لمدة خمس سنوات، حتي إذا تغيرت الحكومة- يضمن استقلالية المجلس وعدم ممارسة ضغوط عليه.
ثالثاً: ضرورة النص على دخول الإعلام الخاص فى دائرة التنظيم. فلا يمكن ترك الإعلام الخاص دون أى ضوابط تنظم أداءه . فمع تعدد القنوات التى نشهدها اليوم والتى ستضاعف، ستزداد المنافسة بين القنوات، من أجل الاستحواذ على العدد الأكبر من المشاهدين ، وهنا قد نرى بعض القنوات (صاحبة الخبرة الضئيلة) تخرج عن المهنية، و تعمل على فبركة بعض الأخبار، وتقدم إعلاما أشبه بالصحافة الصفراء التى تعتمد على الفضائح وانتهاك خصوصية الآخرين. وقد تكون صياغة قانون يحمي المنافسة في العمل الإعلامي من ضروريات المرحلة المقبلة.
فالبلدان التى تقوم بالتنظيم، تقوم بتطبيقه على الإعلام الرسمى (وتحويله لإعلام خدمة عامة) وعلى الإعلام الخاص أيضاً. فالهيئة التنظيمية في بريطانيا الـ«Ofco»، تقوم بوضع ضوابط لقنوات الخدمة العامة و القنوات الخاصة، وتفرض عقوبات تدريجية، و تتم مساءلتها من البرلمان. و تقوم هيئة الـ«CSA» بنفس الوظيفة في فرنسا، و طبقت معظم دول شرق ووسط أوروبا، خلال المرحلة الانتقالية، هذا النموذج.
لذلك يجب الحرص الشديد فى صياغة القوانين المتعلقة، بإنشاء المجلس والهيئات الوطنية، حتى تكون خطوة حقيقية فى تحويل نظام إعلامى عانى من السلطوية و ممارسة الرقابة الذاتية لمدة 60 عاماً، وحان الوقت أن يمارس حريته التى اقتبسها منذ بداية الثورة .
الرئيسية 
