تقديري أن جماعة الإخوان بنت تقديراتها بالنسبة لـ 30 يونيو وما سبقها من حديث متصاعد حول نهاية حكمهم وإسقاط مرسي في هذا اليوم على افتراضات ثبت خطؤها ما يعني أنها لم تكن مؤهلة لحكم مصر في تلك المرحلة الخطيرة وأن تفكيرها وتخطيطها السياسي والاستراتيجي قاصر عن رؤية الواقع واستشراف المستقبل وقد لازمها التخبط فيما بعد عزل مرسي وحتى اليوم بحيث صارت تقصي نفسها بنفسها من المشهد السياسي في المرحلة المقبلة. كيف ذلك؟!. أولاً: اعتقدت الجماعة أن الجيش لن ينقلب على الشرعية خصوصًا أنها شرعيّة منتخبة بنزاهة ومعترف بها عالميًّا وأنها جاءت بعد ثورة شعبيّة فرضت واقعًا جديدًا يقوم على الانتخابات الحرة واحترام نتائج الصندوق وليست شرعيّة مشكوكًا فيها كما كان الأمر مع مبارك. نعم، الجيش لا يُحرّك دباباته وقواته ليقوم بانقلابات مباشرة على الحاكم حتى لو كان مشكوكًا في شرعية انتخابه وتمثيله للأمة، وهذا لم يحدث منذ يوليو 1952 لكنه عندما يجد ثورة شعبية حقيقية على الحاكم فإنه ينحاز للشعب وهو ما حصل في 25 يناير 2011 ولولا دور الجيش ما كان مبارك رحل ولكانت حصلت حرب استنزاف سياسية بينه وبين التحرير تصيب البلد بالشلل التام ثم السقوط لا قدر الله، وقد تدخل الجيش في الوقت المناسب عبر رسائل غير مباشرة فهمها مبارك بأنه لا بدّ أن يرحل لكن الجيش لم يجبره على الرحيل بالقوة، وكرر الجيش تدخله في 30 يونيو لأنه وجد حشودًا شعبية ضخمة نزلت الشارع تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة وهو ما يعني رحيل مرسي، لم يكن الجيش يتدخل بدون ذلك الجمهور الكبير بدليل أن هناك 24 مليونية حصلت في العام الوحيد لمرسي ولم يتدخل لأنها كانت مليونيات اسمية وبلا جمهور، والجيش كان من الذكاء بأن أسند السلطة إلى مدنيين، رئيسًا ورئيس حكومة حتى لو كانت له كلمة نافذة من وراء الستار لكي يتفادى تهمة الانقلاب المباشر خصوصًا أن حالة مرسي شائكة لأنه أول رئيس مدني منتخب والعالم كان مرحبًا بتجربة التحوّل الديمقراطي ومشجعًا لها ولذلك على السلطة الحالية تفهم حيرة أو تحفظ أو رفض بعض العواصم لما جرى. كيف تتجاهل الجماعة أن الجيش لم يخرج من السلطة نهائيا، هل مجرّد إقالة مرسي للمشير طنطاوي والفريق عنان كان يعني أن الحكم صار مدنيًا بالكامل وأن الجيش خرج من السياسة، وهل تعيينه لوزير الدفاع يعني أنه ضمن انحيازه إلى جانبه بالمطلق في كل الحالات، إذا كان الجيش تخلى عن مبارك أمام طوفان شعبي رافض له فهل سيقف بعيدًا عن غضب شعبي وانقسام سياسي وأزمات متلاحقة متفاقمة وخروج واسع للشارع أم يتدخل بعد استنفاد كل محاولات الانقاذ والعلاج والحلول؟!. الجيش ابتعد مع تولي الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزارة الدفاع لكنه كان يراقب، وعاد بعد أن تزايدت النداءات له بالتدخل، وقد سهل الإخوان ذلك بتجاهل الأزمات وتداعياتها حتى وصل الطرفان: السلطة والمعارضة لقمة الهاوية فكان لا بدّ من طرف آخر يقوم بإنقاذ البلاد من لعبة التصعيد الخطرة جدًّا فانحاز الجيش إلى شعب نجحت المعارضة في حشده وتعبئته. ثانيًا: اعتقدت الجماعة أنه لن يخرج أحد في 30 يونيو وأن هذا اليوم سيكون مثل ما سبقه من مليونيات ولن يشارك أكثر من 5 آلاف كما قيل منسوبًا لخيرت الشاطر، ويقال إن مرسي نفسه قال إن الموجودين لا يزيدون على 160 ألفًا والحقيقة أن كثيرين لم يكونوا يتصوّرون خروج هذا العدد الكبير لكني لن أدخل في حسبة العدد التي وصل البعض بها إلى 40 مليونًا لكنه رقم مبالغ فيه جدًّا فالواقعي أن حشودًا ضخمة خرجت فاقت حشود الإسلاميين في يومي جمعة سبقا 30 يونيو ما يعني أن الكفة الشعبية مالت إلى جانب المعارضة وتلك الحشود لا تحسب لجبهة الإنقاذ لأن جمهورها كله لا يملأ ميدان التحرير إنما حصل أن قطاعات عديدة متنوّعة في المجتمع المصري اتفقت إرادتها على الخروج وكل قطاع كانت له أسبابه لكن تلاقت رغباتها كلها على مطلب الانتخابات المبكّرة أو بالأدق إنهاء رئاسة مرسي وتنحية الإخوان عن السلطة. كيف لم تفهم الجماعة تلك الرسالة وتدرك أن مناسبة العام الأول لمرسي بالحكم لن تفرط فيها كل الجهات الداخلية والخارجية الراغبة في الإطاحة بها وستفعل المستحيل لتوفير الغطاء الشعبي الكثيف لتوفير مبرّر قوي جدًّا لإجبار مرسي بإرادته أو بتدخل الجيش على ترك منصبه وهو ما حصل؟!. كان يكفي قراءة بيان السيسي الذي منح فيه مهلة أسبوع للسلطة والمعارضة للتوصل لحلول للأزمة لإنقاذ البلاد بأنه رسالة حاسمة بأنه سيتدخل بنفسه لو لم يتم الحل، وقد كتبت مقالاً وقلت إن الأزمة إذا لم تُحل سيتدخل الجيش ويتولى السلطة فأين كان عباقرة الإخوان ومفكريهم السياسيين والاستراتيجيين ومنظريهم وفلاسفتهم من فهم مغزى هذه المهلة التي كانت تنتهي يوم 30 يونيو، وأين كان هؤلاء والإعلام يحشد المصريين حشدًا ويعبئهم بكل وسيلة للخروج، وأين كانوا ووزير الداخلية يُشدّد على حماية المتظاهرين وتأمينهم وهي رسالة طمأنة للمتردّد والخائف بأنه محمي في هذا اليوم، وأين كانوا والجيش يطمئن الشعب بأنه لن يتخلى عنه ولن يسمح بانهيار مصر، وأين كانوا وحركة تمرّد وغيرها من الحركات الشبابية تعقد مؤتمرات صحفية عن مرحلة ما بعد مرسي والإخوان وعن سيناريوهات الفترة الانتقالية، وكل ما ذكروه تحقق بالفعل يوم 3 يوليو، وأين كانوا عندما أعطى السيسي الإنذار الأخير ومدته 48 ساعة فقط وقد كُتب وأُذيع دون علم الرئيس، والرسالة كانت شديدة الوضوح إمّا أن تدعو لانتخابات مبكرة فورًا، أو أن حكمك انتهى وهو ما تم. بسبب هذا الغباء السياسي النادر في التاريخ فإن الجماعة ضيعت مرسي، وضيعت نفسها.