عسكري الدرك الياباني‏..‏ والانفلات الأمني

منذ أيام أعلن وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين عن أن الوزارة قررت العودة إلي ما كان يعرف في الماضي بـ عسكري الدرك بهدف القضاء علي الانفلات الأمني الذي تفشي منذ قيام ثورة‏25‏ يناير‏,‏

وقال جمال الدين في لقاء مع القيادات الأمنية في القاهرة والجيزة والقليوبية( القاهرة الكبري) إنه ستكون هناك نقاط شرطة صغيرة موزعة في نطاق المربعات السكنية, تفعيل الدور الأمني بالشارع المصري.
وطبعا هناك أجيال عديدة لم تعرف أو تعش أيام عسكري الدرك وهو النظام الذي ألغته ثورة يوليو1952 غير أن السينما المصرية حافظت علي هذه الشخصية التاريخية وقدمتها في عشرات الأفلام.
فعسكري الدرك هو من يسهر في الشوارع والحارات الضيقة ليلا للمحافظة علي الأمن والنظام العام وحماية السكان من اللصوص وغيرهم, وكلما شاهد شيئا أو شخصا غريبا صاح بأعلي صوته من هناك.
والدرك كلمة تركية تعني اللحاق أو المطاردة ومعني عسكري الدرك هو القوة العسكرية الموجودة في الشارع ليلا. بهدف حماية النظام والأمن.
وما تحدث عنه وزير الداخلية بشأن عسكري الدرك هو نظام أمني متكامل وقائم في اليابان ضمن منظومة شاملة جعلت البلاد واحدة من أأمن دول العالم والأقل سواء في عدد الجرائم أو في طبيعتها ويطلق علي هذا النظام الكوبانkoban أوpolicebox, ويكفي أنه نذكر أن وفقا لتقارير الأمم المتحدة فإن اليابان شهدت3,1 جريمة سرقة لكل100 ألف نسمة مقابل6,48 في المانيا و8,65 في بريطانيا و233.0 في الولايات المتحدة!
ولكن ما هو الكوبان.. الذي حقق الأمن في اليابان؟
والكوبان عبارة عن مركز صغير للبوليس مكون من دورين غالبا يتم تشييده في تقاطعات الشوارع المهمة علي جانب الطريق وبجوار محطات المترو والقطارات, وفي مناطق متميزة من أحياء السهر والترفيه.. ويعمل به ما لا يزيد علي عشرة أمناء شرطة يقسمون العمل والدوريات فيما بينهم, منهم من يخرج بدراجة في دورية يقوم برصد وملاحظة كل ما يدور في الشوارع والحارات التابعة للكوبان وآخر يوجد في الكوبان لاستقبال الزوار الذين يسألون عن شوارع أو أماكن أو عناوين أو غيرها, كذلك استقبال الإشارات العاجلة بخصوص الحوادث أو غيرها, وثالث مستعد تماما لقيادة السيارة الخاصة بالكوبان ـ وهي سيارة بوليس ـ والانطلاق الي موقع الحادث الطارئ ورابع يقف دائما أمام الكوبان لملاحظة ورصد الحركة أمام الكوبان وفي الشوارع والتقاطعات القريبة ثم هناك عنصر آخر أو اثنان من عناصر لأمن الكوبان يحصلان علي راحة في الدور العلوي لمبني الكوبان الذي قد يحتوي علي غرفة أو أكثر ومطبخ ويتميز الكوبان بلمبة حمراء تدور بالأضواء في كل اتجاه وهناك6500 كوبان في كل انحاء اليابان يعمل88 بها ألف أمين شرطة وضابط و7600 قسم بوليس يعمل بها157 ألف أمين شرطة وضابط حسب احصاءات.2011 وقد تلقت كل أقسام البوليس نحو5,9 مليون مكالمة نجدة علي الرقم المعروف110 في نفس العام ونجحت في ضبط324 ألف مشتبه في انتهاكه لقانون العقوبات الياباني بالتعاون مع مقار البوليس الرئيسية في المدن الكبري في جرائم منها مخالفات مرورية وسرقة واعتداء علي مبان حكومية وغيرها. ويقوم مقر البوليس الرئيس الذي يتلقي المكالمات بابلاغ الكوبان المتعلق به البلاغ ويقوم الكوبان بتوجيه دورية فورية الي موقع الحادث أو سكن المبلغ. ووفقا لمعلومات قسم بوليس طوكيو العاصمة, كان الضباط والأمناء العاملون في الكوبان في منطقة كانتو أو طوكيو الكبري علي غرار القاهرة الكبري والتي تضم أيضا ثلاث محافظات, يعملون في دورات أو ورديات عمل لاتقل ساعات عمل الواحد منهم عن16 ساعة يوميا.. ولديه8 ساعات راحة.. وغالبا ما تقل ساعات الراحة عن ثمان خاصة في الكوبان القائم في الأحياء والمدن المزدحمة التي تشهد حركة السكان ليلا ونهارا.. مثل أحياء جينزا وشيبويا وشينشيكو وايكيبكروikebukuro-shinjuku-shibuya-Ginza-roppongi-harajuku وهارجيكو ورووبوتجي وغيرها, ويكون احتمال وقوع الجريمة أكثر من تلك المناطق.
تاريخ الكوبان
وكانت البداية الحقيقة للكوبان بوضعه الحالي في عام1881 عندما قررت ادارة بوليس طوكيو اقامة عدة كوبان في العاصمة.. وسرعان ما لقيت الفكرة ترحيبا واستحسانا وانتشرت في العديد من المحافظات الأخري, حتي إن في نهاية عام1881 كان هناك نحو330 كوبانا يعمل بها2042 ضابطا وأمين شرطة, الطريف أن الاسم الرسمي لكوبان كان يطلق عليه في الأوراق الرسمية هشوتسوجوhashutsujo
ولكن ظل اسمه بين العامة كوبان حتي تم الاعتراف رسميا باسم الكوبان في عام1994, ويحدد بوليس طوكيو مهام العاملين في الكوبان بأن المهمة الأولي لهم هي الوقوف امام الكوبان ومراقبة كل حركة أو كل شخص أو شيء امام الكوبان وفي الشوارع المحيطة به ورصدها ومتابعتها. ثم مهام ميدانية تشمل دوريات في المنطقة وفحص ومراقبة منازل المنطقة.. وفي بعض الكوبان.. يعيش الضابط أو أمين الشرطة مع زوجته وأسرته داخل الكوبان في الدور العلوي.. وأحيانا كثيرة تساعد زوجة الضابط في العمل وتستقبل السائلين والمستفسرين أو اصحاب البلاغات اذا كان زوجها في دورية في الخارج وتحصل من الحكومة علي مبلغ مالي مقابل ذلك!
ويحرر ضباط وأمناء الكوبان المخالفات المرورية للسيارات في المنطقة, ويقومون بالقبض علي المخالفين للقانون.. ويسرعون الي موقع الحدث اذا كان هناك حادث سيارة أو حريق أو غيره ويساعدون السكاري في الأوقات المتأخرة من الليل, وقد شاهدت هذا المنظر عشرات المرات خاصة في المناطق القريبة من محطات المترو والقطارات.. يقع الشخص علي الأرض من فرط الشراب ولا يدري شيئا.. ثم يأتي ضابط أو أمين شرطة الكوبان ويساعده ويسأله أين يسكن.. ويستوقف تاكسي ويحمل السكران ويلقي به الي داخل التاكسي ويطلب من السائق أن يوصله الي العنوان الذي قاله له!
ومهمة الكوبان الأولي هي التواصل مع المجتمع السكني الصغير الذي يخدمه.. فالضباط وأمناء الشرطة في الكوبان يبادرون ويزورن السكان, كما أن السكان يقومون بزيارات لهم حتي أصبحت مهمة الكوبان اجتماعية أكثر منها أمنية نظرا لانخفاض معدل الجريمة في اليابان بشكل عام مقارنة بالدول الصناعية الأخري.
وفي اليابان لايمكن أن تشتري سيارة الا اذا حصلت علي توقيع الكوبان بأن لديك جراج للسيارة.. وإذا كنت ساكنا جديدا في المنطقة لابد أن تبلغ الكوبان بكل تفاصيل أسرتك ويحصلون علي نسخة من الجواز وبطاقة الاقامة(ID) واذا رغبت في شراء سيارة ولديك في العمارة جراج فانك تحصل علي ورقة موقعة من مالك العمارة تذهب بها إلي الكوبان.. الذي لا يوقعها إلا بعد أن يرسل أمين شرطة يعاين الجراح ويتحري دقة المعلومات الواردة بالورقة ويتحدث مع المالك ثم اذا وجد كل شيء تمام يوقع الورقة!
واذا كنا قد قررنا العودة الي نظام عسكري الدرك لماذا لا نطور هذا النظام ولماذا لانستفيد من التقدم الذي أحرزته دول العالم في النظام الأمني حتي يتحول الأمن من مفهوم حماية وحراس الحاكم وحاشيته مقابل إطلاق يد الشرطة في الفساد والتنكيل بالمواطن.. الي مفهوم حماية حرية وكرامة وأمن المواطن والبلد فقد حمت الشرطة اليابانية حرية وكرامة المواطن فأصبحت اليابان من آمن دول العالم أثق تماما في أن اليابان لن تمانع في تدريب ضباط وأمناء شرطة مصريين علي أحدث نظم الأمن لديها وأنها مستعدة لتوفير كل الدروس المستفادة من نظام الكوبان لديها.